فدع عنك البغل، ولك الله علي أن أعطيك الساعة ألف دينار، قَالَ:
فأنشدته:
مأمون يا ذا المنن الشريفه ... وصاحب المرتبة المنيفه
وقائد الكتيبة الكثيفه ... هل لك في أرجوزة ظريفه
أظرف من فقه أبي حنيفه ... لا والذي أنت له خليفه
ما ظلمت في أرضنا ضعيفه ... أميرنا مؤنته خفيفه
وما اجتبى شيئا سوى الوظيفه ... فالذئب والنعجة في سقيفه
واللص والتاجر في قطيفه.
قال: فو الله ما عدا ان انشدته، فإذا زهاء عشرة آلاف فارس قد سدوا الأفق، يقولون: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته! قَالَ:
فأخذني أفكل، ونظر إلي بتلك الحال، فقال: لا بأس عليك أي أخي، قلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك! أتعرف لغات العرب؟
قَالَ: أي لعمر الله، قلت: فمن جعل الكاف منهم مكان القاف؟ قَالَ:
هذه حمير، قلت: لعنها الله، ولعن من استعمل هذه اللغة بعد اليوم! فضحك المأمون، وعلم ما أردت، والتفت إلى خادم إلى جانبه، فقال: أعطه ما معك، فأخرج إلي كيسا فيه ثلاثة آلاف دينار، فقال: هاك، ثم قَالَ: السلام عليك، ومضى فكان آخر العهد به.
وقال أبو سعيد المخزومي:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون ... شيئا أو ملكه المأسوس
خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثل ما خلفوا أباه بطوس
وقال علي بْن عبيدة الريحاني:
ما أقل الدموع للمأمون ... لست أرضى إلا دما من جفوني