في شعري وأمدحك عند الخليفة، أفهم هذا قلت: قد صدقت، فقال:
أما إذ أبديت ما في ضميرك، فقد ذكرتك، وأثنيت عليك، فقلت: فأنشدني ما قلت، فأنشدنيه، فقلت: أحسنت، ثم ودعني وخرج فأتى الشام، وإذا المأمون بسلغوس قَالَ: فأخبرني، قَالَ: بينا أنا في غزاة قرة، قد ركبت نجيبي ذاك، ولبست مقطعاتي، وأنا أروم العسكر، فإذا أنا بكهل على بغل فاره ما يقر قراره، ولا يدرك خطاه قال: فلتقانى مكافحة ومواجهة، وأنا أردد نشيد أرجوزتي، فقال: سلام عليكم- بكلام جهوري ولسان بسيط- فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قَالَ: قف إن شئت، فوقفت فتضوعت منه رائحة العنبر والمسك الأذفر، فقال: ما أولك؟
قلت: رجل من مضر، قَالَ: ونحن من مضر، ثم قَالَ: ثم ماذا؟
قلت: رجل من بني تميم، قَالَ: وما بعد تميم؟ قلت: من بني سعد، قَالَ:
هيه، فما أقدمك هذا البلد؟ قَالَ: قلت: قصدت هذا الملك الذي ما سمعت بمثله أندى رائحة، ولا أوسع راحة، ولا أطول باعا، ولا أمد يفاعا منه.
قَالَ: فما الذي قصدته به؟ قلت: شعر طيب يلذ على الأفواه، وتقتفيه الرواة، ويحلو في آذان المستمعين، قَالَ: فأنشدنيه، فغضبت وقلت:
يا ركيك، أخبرتك أني قصدت الخليفة بشعر قلته، ومديح حبرته، تقول:
أنشدنيه! قَالَ: فتغافل والله عنها، وتطأمن لها، وألغى عن جوابها، قَالَ: وما الذي تأمل منه؟ قلت: إن كان على ما ذكر لي عنه فألف دينار، قَالَ: فأنا أعطيك ألف دينار إن رأيت الشعر جيدا والكلام عذبا وأضع عنك العناء، وطول الترداد، ومنى تصل إلى الخليفة وبينك وبينه عشرة آلاف رامح ونابل! قلت: فلي الله عليك أن تفعل! قَالَ: نعم لك الله علي أن أفعل، قلت: ومعك الساعة مال؟ قَالَ: هذا بغلي وهو خير من ألف دينار، أنزل لك عن ظهره، قَالَ: فغضبت أيضا وعارضني نرق سعد وخفة أحلامها، فقلت: ما يساوي هذا البغل هذا النجيب! قَالَ: