العساكر قد أحدقت به وقف، فنظر إليهما، فقالا له: انزل، فقال: ومن أنتما؟ فقال أحدهما: أنا أبو سعيد، والآخر: أنا بوزباره، فقال: نعم، وثنى رجله، فنزل، وكان ابن سنباط ينظر إليه، فرفع رأسه إلى ابن سنباط فشتمه، وقال: إنما بعتني لليهود بالشيء اليسير، لو أردت المال وطلبته لأعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء، فقال له أبو سعيد: قم فاركب، قال: نعم.
فحملوه وجاءوا به إلى الأفشين، فلما قرب من العسكر صعد الأفشين برزند، فضربت له خيمة على برزند، وأمر الناس فاصطفوا صفين، وجلس الأفشين في فازة، وجاءوا به، وأمر الأفشين ألا يتركوا عربيا يدخل بين الصفين فرقا أن يقتله إنسان أو يجرحه ممن قتل أولياءه، أو صنع به داهية.
وكان قد صار إلى الأفشين نساء كثير وصبيان، ذكروا أن بابك كان أسرهم، وأنهم أحرار من العرب والدهاقين، فأمر الأفشين فجعلت لهم حظيرة كبيرة، وأسكنهم فيها، وأجرى لهم الخبز، وأمرهم أن يكتبوا إلى أوليائهم حيث كانوا، فكان كل من جاء فعرف امرأة أو صبيا أو جارية، وأقام شاهدين أنه يعرفها وأنها حرمة له أو قرابة دفعها إليه، فجاء الناس، فأخذوا منهم خلقا كثيرا، وبقي منهم ناس كثير ينتظرون أن يجيء أولياؤهم.
ولما كان ذلك اليوم الذي أمر الأفشين الناس أن يصطفوا، فصار بين بابك وبينه قدر نصف ميل، أنزل بابك يمشي بين الصفين في دراعته وعمامته وخفيه، حتى جاء فوقف بين يدي الأفشين فنظر إليه الأفشين، ثم قال: انزلوا به إلى العسكر، فنزلوا به راكبا، فلما نظر النساء والصبيان الذين في الحظيرة إليه لطموا على وجوههم، وصاحوا وبكوا حتى ارتفعت أصواتهم، فقال لهم الأفشين: أنتم بالأمس، تقولون أسرنا، وأنتم اليوم تبكون عليه! عليكم لعنة الله قالوا: كان يحسن إلينا فأمر به الأفشين فأدخل بيتا، ووكل به رجالا من أصحابه.
وكان عبد الله أخو بابك لما أقام بابك عند ابن سنباط، صار الى عيسى