أنا كذلك، إذ صرت إلى موضع عن يسرة الطريق، فوجلت من الممر فيه، ثم تقحمته بالرمح من غير أن أرى أحدا، وصحت: من أنت؟ ويلك! فإذا شيخ جسيم قد صاح زينهار- يعني الأمان- قال: فحملت عليه، فأخذته، وشددت كتافه، فإذا هو شهريار أخو أبي صالح سرخاستان، صاحب العسكر، قال: فدفعته إلى قائدي يعقوب بن منصور، وحال الليل بيننا وبين الطلب، فرجع الناس إلى المعسكر، وأتي بشهريار إلى الحسن بن الحسين فضرب عنقه وأما أبو صالح فمضى حتى صار على خمسة فراسخ من معسكره، وكان عليلا، فجهده العطش والفزع، فنزل في غيضة يمنة الطريق إلى سفح جبل، وشد دابته واستلقى، فبصر به غلام له ورجل من أصحابه يقال له جعفر بن ونداميد، فنظر إليه نائما، فقال سرخاستان:
يا جعفر، شربة ماء، فقد جهدني العطش، قال: فقلت: ليس معي إناء أغرف به من هذا الموضع، فقال سرخاستان: خذ رأس جعبتي فاسقني به، قال جعفر: وملت إلى عداد من أصحابي، فقلت لهم: هذا الشيطان قد أهلكنا فلم لا نتقرب به إلى السلطان، ونأخذ لأنفسنا الأمان! فقالوا لجعفر: كيف لنا به؟ قال: فوقفهم عليه، وقال لهم: أعينوني ساعة، وأنا أثاوره، فأخذ جعفر خشبة عظيمة وسرخاستان مستلق، فألقى نفسه عليه، وملكوه وشدوه كتافا مع الخشبة، فقال لهم أبو صالح: خذوا مني مائة ألف درهم واتركوني، فإن العرب لا تعطيكم شيئا، قالوا له: أحضرها، قال: هاتوا ميزانا، قالوا:
ومن اين هاهنا ميزان؟ قال: فمن اين هاهنا ما أعطيكم! ولكن صيروا معي إلى المنزل، وأنا أعطيكم العهود والمواثيق أني أفي لكم بذلك، وأوفر عليكم، فصاروا به إلى الحسن بن الحسين، فاستقبلتهم خيل للحسن بن الحسين، فضربوا رءوسهم، وأخذوا سرخاستان منهم، فهمتهم أنفسهم، ومضى أصحاب الحسن بأبي صالح إلى الحسن، فلما وقفوه بين يديه، دعا الحسن قواد طبرستان، مثل محمد بن المغيرة بن شعبة الأزدي وعبد الله بن محمد القطقطي الضبي والفتح بن قراط وغيرهم، فسألهم: هذا سرخاستان؟ قالوا: نعم، فقال لمحمد