بهذه الفاكهة بنفسك إلى الأفشين، فأدخلها إليه فحملت مع هارون الواثق حتى صعد بها اليه في البناء الذى بنى له الذى يسمى لؤلؤه، فحبس فيه، فنظر إليه الأفشين، فافتقد بعض الفاكهة، إما الإجاص وإما الشاهلوج، فقال للواثق: لا إله الا الله، ما أحسنه من طبق، ولكن ليس لي فيه إجاص ولا شاهلوج! فقال له الواثق: هو ذا، انصرف أوجه به إليك، ولم يمس من الفاكهة شيئا، فلما أراد الواثق الانصراف قال له الأفشين: أقرئ سيدي السلام، وقل له: أسألك أن توجه إلي ثقة من قبلك يؤدي عني ما أقول، فأمر المعتصم حمدون بن إسماعيل- وكان حمدون في أيام المتوكل في حبس سليمان بن وهب في حبس الأفشين هذا، فحدث بهذا الحديث وهو فيه:
قال حمدون: فبعث بي المعتصم إلى الأفشين، فقال لي: إنه سيطول عليك فلا تحتبس قال: فدخلت عليه، وطبق الفاكهة بين يديه لم يمس منه واحدة فما فوقها، فقال لي: اجلس، فجلست فاستمالني بالدهقنة، فقلت: لا تطول، فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي ألا أحتبس عندك، فأوجز.
فقال: قل لأمير المؤمنين، أحسنت إلي وشرفتني، وأوطأت الرجال عقبي، ثم قبلت في كلاما لم يتحقق عندك، ولم تتدبره بعقلك، كيف يكون هذا، وكيف يجوز لي أن أفعل هذا الذي بلغك! تخبر بأني دسست إلى منكجور أن يخرج، وتقبله، وتخبر أني قلت للقائد الذي وجهته إلى منكجور:
لا تحاربه، واعذر، وإن أحسست بأحد منا فانهزم من بين يديه، أنت رجل قد عرفت الحرب، وحاربت الرجال، وسست العساكر، هذا يمكن رأس عسكر يقول لجند يلقون قوما: افعلوا كذا وكذا، هذا ما لا يسوغ لأحد أن يفعله، ولو كان هذا يمكن ما كان ينبغي أن تقبله من عدو قد عرفت سببه، وأنت أولى بي، إنما أنا عبد من عبيدك، وصنيعك، ولكن مثلي ومثلك يا أمير المؤمنين مثل رجل ربى عجلا له حتى أسمنه وكبر، وحسنت