للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك شديدا، سفهت بذلك رأي العلماء، وخالفت الحكماء، واتبعت رأي السفهاء ولعمري ما حملك على ذلك يا بني إلا كثرة طيشك، وحداثة سنك، وقلة علمك، فإن أنت رددت علي كلامي، ولم تعرف حقي، فلست من نسل والدك، ولا ينبغي الملك لمثلك يا بني بأي شيء تدل على قومك؟

لعلك أوتيت من الحروف مثل ما اتى موسى إلى فرعون، أن غرقه وأنجى قومه من الظلمة أو لعلك أوتيت من القوة ما أوتي داود، أن قتل الأسد لقومه، ولحق الذئب فشق شدقه، وقتل جالوت الجبار وحده أو لعلك أوتيت من الملك والحكمة أفضل مما أوتي سليمان بن داود رأس الحكماء، إذ صارت حكمته مثلا للباقين بعده! يا بني إنه ما يأتك من حسنة فأنا أحظى الناس بها، وإن تكن الأخرى فأنا أشقاهم بشقوتك.

فلما سمعها الملك اشتد غضبه، وضاق صدره، فقال لها: يا أمه! إنه لا ينبغي أن آكل على مائدة واحدة مع حبيبي وعدوي، كذلك لا ينبغي أن أعبد غير ربي هلمي إلى أمر إن أطعتني فيه رشدت، وإن تركته غويت، أن تعبدي الله وتكفري بكل آلهة دونه، فإنه ليس أحد يرد هذا علي إلا هو لله عدو، وأنا ناصره لأني عبده.

قالت له: ما كنت لأفارق أصنامي، ولا دين آبائي وقومي ولا أترك ذلك لقولك، ولا أعبد الرب الذي تدعوني إليه.

فقال لها الملك: حينئذ يا أمه، إن قولك هذا قد قطع فيما بيني وبينك رحمي.

وأمر بها الملك عند ذلك فأخرجوها وغربوها، ثم أوصى إلى صاحب شرطته وبابه أن يقتلها إن هي ألمت بمكانه.

فلما سمع ذلك منه الأسباط الذين كانوا حوله وقعت في قلوبهم المهابة،

<<  <  ج: ص:  >  >>