فأذعنوا له بالطاعة، وانقطعت فيما بينهم وبينه كل حيلة، وقالوا: قد فعل هذا بأمه، فأين نقع نحن منه إذا خالفنا في أمره، ولم نجبه إلى دينه! فاحتالوا له كل حيلة، فحفظه الله وأباد مكرهم فلما لم يكن لهم عن ذلك صبر، ولا على فراق دينهم قوام، ائتمروا بأن يهربوا من بلاده، ويسكنوا بلادا غيرها، فخرجوا متوجهين الى زرح ملك الهند يطلبون أن يستحملوه على أسا ومن اتبعه، فلما دخلوا على زرح سجدوا له، فقال لهم: من أنتم؟ قَالُوا: نحن عبيدك، قَالَ: وأي عبيدي أنتم؟ قَالُوا: نحن من أرضك أرض الشام، وأنا كنا نعتز بملك، حتى ظهر فينا ملك صبي حديث السن سفيه، فغير ديننا، وسفه رأينا، وكفر آباءنا، وهان عليه سخطنا، فأتيناك لنعلمك ذلك، فتكون أنت أولى بملكنا، ونحن رءوسهم، وهي أرض كثير مالها، ضعيف أهلها، طيبة معيشتها، كثيرة أنضارها، وفيهم الكنوز وملك ثلاثين ملكا، وهم الذين كان يوشع بن نون خليفة موسى سار بهم في البحر هو وقومه، فنحن وأرضنا لك، وبلادنا بلادك، وليس أحد فيها يناصبك، هم دافعون أيديهم إليك بغير قتال، بأموالهم وانفسهم مسالمه.
قال: لهم زرح: لعمري، ما كنت لأجيبكم إلى ما دعوتموني إليه، ولا أستجيب إلى مقاتلة قوم لعلهم أطوع لي منكم، حتى أبعث إليهم من قومي أمناء، فإن وقع الأمر على ما تكلمتم به قدامي نفعكم ذلك عندي، وجعلتكم عليها ملوكا، وإن كان كلامكم كذبا فإني منزل بكم العقوبة التي تنبغي لمن كذبني.
قَالَ القوم: تكلمت بالعدل، وحكمت بالقسط، ونحن به راضون.
فأمر عند ذلك بالأرزاق فأجريت عليهم، واختار من قومه أمناء ليبعثهم جواسيس، فأوصاهم بوصيته، وخوفهم وحذرهم بطشه إن هم كذبوه،