ووعدهم المعروف ان هم صدقوه وقال زرح: إني مرسلكم لأمانتكم، وشحكم على دينكم، وحسن رأيكم في قومكم، لتطالعوا لي أرضا من أرضي، وتبحثوا لي عن شأنها، وتعلموني علم أهلها وملكها وجنودها وعددها وعدد مياهها، وفجاجها وطرقها، ومداخلها ومخارجها، وسهولتها وصعوبتها، حتى كأني شاهد ذلك وعالمه، وحاضر ذلك وخابره وخذوا معكم من الخزائن من الياقوت والمرجان والكسوة ما يفرغون إليه إذا رأوه، ويشترون منكم إذا نظروا إليه.
فأمكنهم من خزائنه حتى أخذوا منها، فجهزهم لبرهم وبحرهم، ووصف لهم القوم الذين أتوهم الطرق، ودلوهم على مقاصدها، فساروا كالتجار، حتى نزلوا ساحل البحر، ثم ركبوا منه حتى ارسوا على ساحل إيلياء، ثم ساروا حتى دخلوها، فخلفوا أثقالهم فيها، وأظهروا أمتعتهم وبضاعتهم، ودعوا الناس إلى أن يشتروا منهم، فلم يفرغوا لبضاعتهم، وكسدت تجارتهم، فجعلوا يعطون بالشيء القليل الشيء الكثير، لكيلا يخرجوهم من قريتهم، حتى يعلموا أخبارهم، ويحقوا شأنهم ويستخرجوا ما أمرهم به ملكهم من أخبارهم.
وكان أسا الملك قد تقدم إلى نساء بني إسرائيل ألا يقدر على امرأة لا زوج لها بهيئة امرأة لها زوج إلا قتلها أو نفاها من بلاده إلى جزائر البحار، فإن إبليس لم يدخل على أهل الدين في دينهم بمكيدة هي أشد من النساء، فكانت المرأة التي لا زوج لها لا تخرج إلا منتقبة في رثة الثياب لئلا تعرف، فلما بذل هؤلاء الأمناء بضاعتهم ما ثمنه مائة درهم بدرهم، جعل نساء بني إسرائيل يشترين خفية بالليل سرا، لا يعلم بهن أحد من أهل دينهن، حتى أنفقوا بضاعتهم واشتروا بها حاجتهم، واستوعبوا خبر مدينتهم وحصونهم، وعدد مياههم، وكانوا قد كتموا رءوس بضاعتهم ومحاسنها من اللؤلؤ والمرجان والياقوت هدية للملك، وجعل الأمناء يسألون من رأوا من أهل القرية عن خبر الملك