مسرور سمانه، بعد أن اشتري للخليفة، وقيل لمحمد بن عبد الملك: وكل ببيع متاعك وأتوه بالعباس بن أحمد بن رشيد كاتب عجيف، فوكله بالبيع عليه، فلم يزل أياما في حبسه مطلقا، ثم أمر بتقييده فقيد، وامتنع من الطعام، وكان لا يذوق شيئا، وكان شديد الجزع في حبسه، كثير البكاء، قليل الكلام، كثير التفكر، فمكث أياما ثم سوهر، ومنع من النوم، يساهر وينخس بمسلة، ثم ترك يوما وليلة، فنام وانتبه، فاشتهى فاكهة وعنبا، فأتي به، فأكل ثم أعيد إلى المساهرة، ثم أمر بتنور من خشب فيه مسامير حديد قيام فذكر عن ابن ابى دواد وأبي الوزير أنهما قالا: هو أول من أمر بعمل ذلك، فعذب به ابن أسباط المصري حتى استخرج منه جميع ما عنده، ثم ابتلي به فعذب به أياما.
فذكر عن الدنداني الموكل بعذابه أنه قال: كنت أخرج وأقفل الباب عليه، فيمد يديه إلى السماء جميعا حتى يدق موضع كتفيه، ثم يدخل التنور فيجلس، والتنور فيه مسامير حديد وفي وسطه خشبة معترضة، يجلس عليها المعذب، إذا أراد أن يستريح، فيجلس على الخشبة ساعة، ثم يجيء الموكل به، فإذا هو سمع صوت الباب يفتح قام قائما كما كان، ثم شددوا عليه.
قال المعذب له: خاتلته يوما، واريته انى اقفلت الباب ولم أقفله، إنما أغلقته بالقفل، ثم مكثت قليلا، ثم دفعت الباب غفلة، فإذا هو قاعد في التنور على الخشبة، فقلت: أراك تعمل هذا العمل! فكنت إذا خرجت بعد ذلك شددت خناقه، فكان لا يقدر على القعود، واستللت الخشبة حتى كانت تكون بين رجليه، فما مكث بعد ذلك إلا أياما حتى مات.
واختلف في الذي قتل به، فقيل: بطح، فضرب على بطنه خمسين مقرعة، ثم قلب فضرب على استه مثلها، فمات وهو يضرب، وهم لا يعلمون، فأصبح ميتا قد التوت عنقه، ونتفت لحيته وقيل: مات بغير ضرب وذكر عن مبارك المغربي أنه قال: ما أظنه أكل في طول حبسه الا رغيفا