كثرة هذا الجمع، ورأيتهم تحت يدي، فأحببت أن أتواضع لله عز وجل، فلما كان من غد يوم الفطر لم يدع بأحد من ندمائه، فلما كان اليوم الثالث وهو يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال- أصبح نشيطا فرحا مسرورا، فقال:
كأني أجد مس الدم، فقال الطيفوري وابن الأبرش- وهما طبيباه:
يا أمير المؤمنين، عزم الله لك على الخير، افعل، ففعل، واشتهى لحم جزور، فأمر به فأحضر بين يديه، فاتخذه بيده.
وذكر عن ابن الحفصي المغني أنه كان حاضر المجلس، قال ابن الحفصي: وما كان احد ممن يأكل بين يديه حاضرا غيري وغير عثعث وزنام وبنان غلام أحمد بن يحيى بن معاذ، فإنه جاء مع المنتصر قال: وكان المتوكل والفتح بن خاقان يأكلان معا، ونحن في ناحية بإزائهم والندماء مفترقون في حجرهم، لم يدع بأحد منهم بعد قال ابن الحفصي: فالتفت إلي أمير المؤمنين، فقال:
كل أنت وعثعث بين يدي ويأكل معكما نصر بن سعيد الجهبذ، قال: فقلت: يا سيدي، نصر والله يأكلني، فكيف ما يوضع بين أيدينا! فقال: كلوا بحياتي، فأكلنا ثم علقنا أيدينا بحذائه قال: فالتفت أمير المؤمنين التفاتة، فنظر إلينا معلقي الأيدي، فقال: ما لكم لا تأكلون؟
قلت: يا سيدي، قد نفد ما بين أيدينا، فأمر أن يزاد، فغرف لنا من بين يديه.
قال ابن الحفصي: ولم يكن أمير المؤمنين في يوم من الأيام أسر منه في ذلك اليوم قال: وأخذ مجلسه، ودعا بالندماء والمغنين فحضروا، وأهدت إليه قبيحة أم المعتز مطرف خز أخضر، لم ير الناس مثله حسنا، فنظر إليه فأطال النظر، فاستحسنه وكثر تعجبه منه، وأمر به فقطع نصفين، وأمر برده عليها، ثم قال لرسولها: أذكرتني به، ثم قال: والله إن نفسي لتحدثني أني لا ألبسه، وما أحب أن يلبسه أحد بعدي، وإنما أمرت بشقه لئلا يلبسه أحد بعدي، فقلنا له: يا سيدنا، هذا يوم سرور