بغى على أهل دينه، وسبق وعده بالنصر لمن بغي عليه من أنصار حقه.
وأنزل بذلك كتابه العزيز، موعظة للباغين، فإن أقلعوا كانت التذكرة نافعة لهم، والحجة عند الله لمن قام بها فيهم، ثم أوجب بعد التذكرة والإصرار جهادهم، فقال فيما قدم من وعده، وأبان من برهانه:«ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ» ، وعدا من الله حقا نهى به أعداءه عن معصيته، وثبت به أولياءه على سبيله، والله لا يخلف الميعاد ولله عند أمير المؤمنين في رئيس دعوته، وسيف دولته، والمحامي عن سلطانه ومحل ثقته، والمتقدم في طاعته ونصيحته لأوليائه، والذاب عن حقه، والقائم بمجاهدة أعدائه، محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين، نعمة يرغب إلى الله في إتمامها، والتوفيق لشكرها، والتطول بمن أراد المزيد فيها، فإن الله قدر لآبائه القيام بالدعوة الأولى لآباء أمير المؤمنين، ثم جمع له آثارهم بقيامه بالدولة الثانية، حين حاول أعداء الله أن يطمسوا معالم دينه ويعفوها، فقام بحق الله وحق خليفته، محاميا عنها، ومراميا من ورائها، متناولا للبعيد برأيه ونظره، مباشرا للقريب بإشرافه وتفقده، باذلا نفسه في كل ما قربه من الله، وأوجب له الزلفة عنده، وسيمتع الله أمير المؤمنين به وليا، مكانفا على الحق، وناصرا موازرا على الخير، وظهيرا مجاهدا لعدو الدين وقد علمتم ما كان كتاب أمير المؤمنين تقدم به إليكم فيما أحدثته الفرقة الضالة عن سبيل ربها، المفارقة لعصمة دينها، الكافرة لنعم الله ونعم خليفته عندها، المباينة لجماعة الأمة التي ألف الله بخلافته نظامها، المحاولة لتشتيت الكلمة بعد اجتماعها، الناكثة لبيعته، الخالعة لربقة الإسلام من أعناقها، الموالي الأتراك، وما صارت إليه من نصر الغلام المعروف بأبي عبد الله بن المتوكل لإقامتها عند مصير أمير المؤمنين إلى مدينة السلام، محل سلطانه، ومجتمع أنصاره وأبناء أنصار آبائه، وما قابل به أمير المؤمنين خيانتهم وآثره من الأناة في أمرهم