للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن هؤلاء الناكثين جمعوا جمعا من الأتراك والمغاربة، ومن ولج في سوادهم، ودخل في غمارهم، مؤاتيا للفتنة من ألفاف الغي، ورأسوا عليهم المعروف بأبي أحمد بن المتوكل، ثم ساروا نحو مدينة السلام في الجانب الشرقي، معلنين للبغي والاقتدار، مظهرين للغي والإصرار، فتأناهم أمير المؤمنين، وفسح لهم في النظرة لهم، وأمر بالكتاب إليهم بما فيه تبصيرهم الرشد، وتذكيرهم بما قدموا من البيعة، وإفهامهم ما لله عليهم وله في ذلك من الحق، وأن خروجهم مما دخلوا فيه من بيعتهم طوعا، الخروج من دين الله والبراءة منه ومن رسوله، وتحريمهم أموالهم ونساءهم عليهم، وأن في تمسكهم به سلامة أديانهم، وبقاء نعمتهم، والاحتراس من حلول النقم بهم، وأن يبين لهم ما سلف من بلائه عندهم، من أسنى المواهب، وأرفع الرغائب، والاختصاص بسني المراتب، والتقدم في المحافل، فأبوا إلا تماديا ونفارا، وتمسكا بالغي وإصرارا.

فقلد أمير المؤمنين نصيحة المؤتمن ووليه محمد بن عبد الله مولى امير المؤمنين تدبير أمورهم ودعائهم إلى الحق ما كانت الإنابة او محاربتهم ان جنح بهم غيهم، وتتابعوا في ضلالهم، فلم يألهم نظرا وإفهاما، وتبيينا وإرشادا، وهم في ذلك رافعون أصواتهم بالتوعد لأهل لمدينه السلام، بسفك دمائهم وسبي نسائهم وتغنم أموالهم، وقبل ذلك ما كانوا في مسيرهم على السبيل التي يستعملها أهل الشرك في غاراتهم، ويميلون إليها عند إمكان النهزة لهم، لا يجتازون بعامر إلا أخربوه، ولا بحريم لمسلم ولا غيره إلا أباحوه، ولا بمسلم يعجز عنهم إلا قتلوه، ولا بمال لمسلم ولا ذمي إلا أخذوه، حتى انتقل كثير ممن سبقت إليه أخبارهم ممن أمامهم عن أوطانهم، وفارقوا منازلهم ورباعهم، وفزعوا إلى باب أمير المؤمنين تحصنا من معرتهم، لا يمرون بغني إلا خلعوا عنه لباس الغنى، ولا بمستور إلا هتكوا عن الذرية والنساء ستره، لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، ولا يتوقفون عن مسلم بهتك ولا مثلة، ولا يرغبون عما حرم الله من دم ولا حرمة.

ثم تلقوا التذكرة بالحرب، وقابلوا الموعظة بالإصرار على الذنب، وعارضوا

<<  <  ج: ص:  >  >>