ببرد الخيار، ووجه طليعة فرجع إليه، فأخبره بمقام القوم هناك، فوجه من ساعته ألف رجل، فأقاموا بسبخة هناك على فوهة هذا النهر، وقال لهم: إن أتوكم إلى المغرب، وإلا فأعلموني وكتب كتابا إلى عقيل، يذكره فيه انه قد بايعه في جماعة من أهل الأبلة، وكتب إلى رميس يذكره حلفه له بالسيب أنه لا يقاتله، وأنه ينهي أخبار السلطان إليه، ووجه بالكتابين إليهما مع بعض الأكرة بعد أن أحلفه أن يوصلهما.
وسار من نهر ميمون يريد السبخة التي كان هيأ فيها طليعة، فلما صار إلى القادسية والشيفيا، سمع هناك نعيرا، ورأى رميا، وكان إذا سار يتنكب القرى، فلم يدخلها، وأمر محمد بن سلم أن يصير إلى الشيفيا في جماعة، فيسأل أهلها أن يسلموا إليه قاتل الرجل من أصحابه في ممره كان بهم، فرجع إليه، فأخبره أنهم زعموا أنه لا طاقة لهم بذلك الرجل لولائه من الهاشميين ومنعهم له، فصاح بالغلمان، وأمرهم بانتهاب القريتين، فانتهب منهما مالا عظيما، عينا وورقا وجوهرا وحليا وأواني ذهب وفضة، وسبى منهما يومئذ غلمانا ونسوة، وذلك أول سبي سبي، ووقفوا على دار فيها أربعة عشر غلاما من غلمان الشورج، قد سد عليهم باب، فأخذهم وأتي بمولى الهاشميين القاتل صاحبه فأمر محمد بن سلم بضرب عنقه، ففعل ذلك، وخرج من القريتين في وقت العصر، فنزل السبخة المعروفة ببرد الخيار.
فلما كان في وقت المغرب أتاه أحد أصحابه الستة، فأعلمه أن أصحابه، قد شغلوا بخمور وأنبذة وجدوها في القادسية، فصار ومعه محمد بن سلم ويحيى ابن محمد إليهم، فأعلمهم أن ذلك مما لا يجوز لهم، وحرم النبيذ في ذلك اليوم عليهم، وقال لهم: إنكم تلاقون جيوشا تقاتلونهم، فدعوا شرب النبيذ والتشاغل به، فأجابوه إلى ذلك، فلما أصبح جاءه غلام من السودان، يقال له قاقويه، فأخبره أن أصحاب رميس قد صاروا إلى شرقي دجيل، وخرجوا إلى الشط، فدعا علي بن أبان، فتقدم إليه أن يمضي بالزنج، فيوقع بهم،