وانصرف الخبيث وجمعت له الرءوس، فذهب إليه جماعة من أولياء القتلى، فعرضها عليهم، فأخذوا ما عرفوا منها، وعبأ ما بقي عنده من الرءوس التي لم يأت لها طالب في جريبية ملأها منها، وأخرجها من النهر المعروف بأم حبيب في الجزر، وأطلقها فوافت البصرة، فوقفت في مشرعة تعرف بمشرعة القيار، فجعل الناس يأتون تلك الرءوس، فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه، وقوي عدو الله بعد هذا اليوم، وتمكن الرعب في قلوب أهل البصرة منه، وأمسكوا عن حربه وكتب إلى السلطان بخبر ما كان منه، فوجه جعلان التركي مددا لأهل البصرة، وأمر أبا الأحوص الباهلي بالمصير إلى الأبلة واليا، وأمده برجل من الأتراك يقال له جريح.
فزعم الخبيث أن أصحابه قالوا له بعقب هذه الوقعة: إنا قد قتلنا مقاتلة أهل البصرة، ولم يبق فيها إلا ضعفاؤهم ومن لا حراك به، فأذن لنا في تقحمها.
فزبرهم وهجن آراءهم، وقال لهم: لا بل ابعدوا عنها، فقد أرعبناهم وأخفناهم وأمنتم جانبهم، فالرأي الآن أن تدعوا حربهم حتى يكونوا هم الذين يطلبونكم.
ثم انصرف باصحابه الى سبخه بماخير أنهارهم، إردب يقارب النهر المعروف بالحاجر قال شبل: هي سبخة أبي قرة وقعها بين النهرين: نهر أبي قرة والنهر المعروف بالحاجر.
فأقام هناك، وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ، وهذه السبخة متوسطة النخل والقرى والعمارات، وبث أصحابه يمينا وشمالا يغير بهم على القرى، ويقتل بهم الأكرة وينهب أموالهم، ويسوق مواشيهم.
فهذا ما كان من خبره وخبر الناس الذين قربوا من موضع مخرجه في هذه السنة.
ولليلتين بقيتا من ذي القعدة منها حبس الحسن بن محمد بن أبي الشوارب القاضي، وولي عبد الرحمن بن نائل البصري قضاء سامرا في ذي الحجة منها.
وحج بالناس فيها علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي.