ويقاتل حتى يئس من رجوعهم، ثم انهزم وبيده سيف مشطب، وعليه درع وقباء، ظاهر به حرير أبيض معين، فمضى حتى صار إلى موضع خشبة بابك، وهو يحث الناس على مجاهدة القوم ونصرته، فلم يتبعه أحد إلا جماعة من العيارين، فلما صاروا إلى باب السجن تعلقوا بلجامه، وسألوه إطلاق من في السجن، فانصرف بوجهه عنهم، فلم يتركوه حتى أمر بإطلاقهم، فانصرفوا عنه، واشتغلوا بباب السجن، وبقي وحده، فمر حتى صار إلى موضع دار أبي صالح بن يزداد، وفيها أحمد بن جميل، فدخل الدار وأغلقت الأبواب، فنزع ثيابه وسلاحه، وكانت به طعنة في وركه، فطلب قميصا وسراويل، فأعطاه أحمد بن جميل، وغسل الدم عن نفسه، وشرب ماء وصلى، فأقبل جماعة من الأتراك مع يارجوخ نحو من ثلاثين رجلا، حتى صاروا إلى دار أبي صالح، فضربوا الباب حتى دخلوها، فلما أحس بهم أخذ السيف وسعى، فصعد على درجة في الدار، ودخل القوم، وقد علا السطح، فأراد بعضهم الصعود لأخذه، فضربه بالسيف فأخطأه، وسقط الرجل عن الدرجة، فرموه بالنشاب، فوقعت نشابة في صدره، فجرحته جراحة خفيفة، وعلم أنه الموت، فأعطى بيده، ونزل فرمى بسيفه فأخذوه، فجعلوه على دابة بين يدي أحدهم، وسلكوا الطريق الذي جاء منه، حتى صيروه إلى دار يارجوخ في القطائع، وأنهبوا الجوسق، فلم يبق فيه شيء، وأخرجوا أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان- وكان محبوسا في الجوسق- وكتبوا إلى موسى بن بغا وسألوه الانصراف إليهم، فأقام المهتدي عندهم لم يحدثوا في أمره شيئا، فلما كان يوم الثلاثاء بايعوا أحمد بن المتوكل في القطائع، وصاروا به يوم الأربعاء إلى الجوسق فبايعه الهاشميون والخاصة، وأرادوا المهتدي على الخلع في هذه الأيام، فأبى ولم يجبهم، ومات يوم الأربعاء، وأظهروه يوم الخميس لجماعة الهاشميين والخاصة، فكشفوا عن وجهه وغسلوه، وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
وقدم موسى بن بغا يوم السبت لعشر بقين من رجب وركب أحمد بن