ضعفه وهو انه عليه- بعوضة فدخلت في منخره ثم ساخت في دماغه حتى عضت بأم دماغه، فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه، فلما عرف الموت قَالَ لخاصته من أهله: إذا مت فشقوا رأسي، فانظروا ما هذا الذي قتلني؟ فلما مات شقوا رأسه، فوجدوا البعوضة عاضة بأم دماغه ليري الله العباد قدرته وسلطانه، ونجى الله من كان بقي في يديه من بني إسرائيل وترحم عليهم وردهم إلى الشام والى إيلياء المسجد المقدس، فبنوا فيه وربلوا وكثروا، حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه.
فيزعمون- والله أعلم- أن الله أحيا أولئك الموتى الذين قتلوا فلحقوا بهم.
ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله، كانت التوراة قد استبيت منهم فحرقت وهلكت وكان عزيز من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع إلى الشام يبكي عليها ليله ونهاره، قد خرج من الناس فتوحد منهم، وإنما هو ببطون الأودية وبالفلوات يبكي، فبينما هو كذلك في حزنه على التوراة وبكائه عليها، إذ أقبل إليه رجل وهو جالس، فقال: يا عزير ما يبكيك؟
قَالَ: أبكي على كتاب الله وعهده، كان بين أظهرنا فبلغت بنا خطايانا، وغضب ربنا علينا أن سلط علينا عدونا، فقتل رجالنا، وأخرب بلادنا، وأحرق كتاب الله الذي بين أظهرنا، الذي لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره- أو كما قَالَ- فعلام أبكي إذا لم أبك على هذا! قَالَ: أفتحب ان يرد ذلك عليك؟
قَالَ: وهل إلى ذلك من سبيل؟ قَالَ: نعم ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك، ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه، ثم عمد إلى المكان الذي وعده، فجلس فيه، فأتاه ذلك الرجل بإناء فيه ماء- وكان ملكا بعثه الله إليه- فسقاه من ذلك الإناء، فمثلت التوراة في صدره، فرجع إلى بني إسرائيل، فوضع لهم التوراة يعرفونها بحلالها وحرامها وسننها وفرائضها