حتى وافوا بهم طرف ميدان الفاسق، وانتهى إليه خبر هزيمة أصحابه ودخول أصحاب الموفق مدينته من أقطارها، فركب في جمع من أصحابه، فتلقاه أصحاب الموفق، وهم يعرفونه في طرف ميدانه، فحملوا عليه، فتفرق عنه أصحابه ومن كان معه وأفردوه، وقرب منه بعض الرجالة حتى ضرب وجه فرسه بترسه، وكان ذلك مع مغيب الشمس، فأمر الموفق أصحابه بالرجوع إلى سفنهم، فرجعوا سالمين، قد حملوا من رءوس الخبثاء شيئا كثيرا، ونالوا كل الذي أحبوا منهم من قتل وجراح وتحريق منازل وأسواق، وقد كان استأمن إلى أبي العباس في أول النهار عدد من قواد الفاجر وفرسانه، فاحتاج إلى التوقف على حملهم في السفن، وأظلم الليل، وهبت ريح شمال عاصف، وقوي الجزر، فلصق أكثر السفن بالطين.
وحرض الخبيث أشياعه واستنجدهم، فبانت منهم جماعة، وشدوا على السفن المتخلفة، فنالوا منها نيلا، وقتلوا فيها نفرا، وقد كان بهبوذ بإزاء مسرور البلخي وأصحابه في هذا اليوم في نهر الغربي، فأوقع بهم، وقتل جماعة منهم، وأسر أسارى، وصارت في يده دواب من دوابهم، فكسر ذلك نشاط أصحاب الموفق وقد كان الخبيث أخرج في هذا اليوم جميع شذواته إلى دجلة محاربين فيها رشيقا، وضرب منها رشيق على عدة شذوات، وغرق منها وحرق، وانهزم الباقون إلى نهر أبي الخصيب.
وذكر أنه نزل في هذا اليوم بالفاسق وأصحابه ما دعاهم إلى التفرق والهرب على وجوههم نحو نهر الأمير والقندل وإبرسان وعبادان وسائر القرى، وهرب يومئذ أخوا سليمان بن موسى الشعراني: محمد وعيسى، فمضيا يؤمان البادية، حتى انتهى إليهما رجوع أصحاب الموفق، فرجعا، وهرب جماعة من العرب الذين كانوا في عسكر الفاسق، وصاروا إلى البصرة، وبعثوا يطلبون الأمان من أبي أحمد، فآمنهم، ووجه إليهم السفن، فحملهم إلى الموفقية، وأمر أن يخلع عليهم، ويوصلوا، ويجري عليهم الأرزاق والأنزال، ففعل ذلك بهم