الموفق أبا العباس بتقديم عدة من الشذا إلى ذلك الموضع، ففعل ذلك، فكان فيمن تقدم زيرك في عدد من أصحابه، فوافى هذه الادقال، وأخرجوا إليها قوما قد كانوا أعدوهم لها معهم الفئوس والمناشير، فقطعوها، وجذبت وأخرجت عن النهر، وسقط ما بقي من القنطرة، ودخلت شذوات الموفق النهر، وسار القائدان في جميع أصحابهما على حافتيه فهزم أصحاب الفاجر في الجانبين، وانصرف الموفق وجميع أصحابه سالمين، واستنقذ خلق كثير وأتي الموفق بعدد كثير من رءوس الفسقة، فأثاب من أتاه بها، وأحسن إليه ووصله.
وكان انصرافه في هذا اليوم على ثلاث ساعات من النهار، بعد أن انحاز الفاسق وجميع أصحابه من الزنج وغيرهم إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب، وأخلوا غربيه، واحتوى عليه أصحاب الموفق، فهدموا ما كان يعوق عن محاربة الفجرة من قصور الفاسق وقصور أصحابه، ووسعوا مخترقات ضيقة كانت على نهر أبي الخصيب، فكان ذلك مما زاد في رعب أصحاب الخائن ومال جمع كثير من قواده وأصحابه الذين كان لا يرى أنهم يفارقونه إلى طلب الأمان، فبذل ذلك لهم، فخرجوا أرسالا، فقبلوا، وأحسن إليهم وألحقوا بنظرائهم في الأرزاق والصلات والخلع.
ثم إن الموفق واظب على إدخال الشذا النهر، وتقحمه في غلمانه، وأمر بإحراق ما على حافتيه من منازل الفجرة وما في بطنه من السفن، وأحب تمرين أصحابه على دخول النهر وتسهيل سلوكه لهم لما كان يقدر من إحراق الجسر الثاني، والتوصل إلى أقصى مواضع الفجرة فبينا الموفق في بعض أيامه- التي ألح فيها على حرب الخبيث وولوج نهر أبي الخصيب- واقف في موضع من النهر، وذلك في يوم جمعه، إذ استأمن إليه رجل من أصحاب الفاجر، وأتاه بمنبر كان للخبيث في الجانب الغربي، فأمره بنقله إليه، ومعه قاض كان للخبيث في مدينته، فكان ذلك مما فت في أعضادهم، وكان الخبيث جمع ما كان بقي له من السفن البحرية وغيرها،