قال الصولي: فعرفني بذلك سرا خادم للمحسن يقال له مريث لموده كانت بيني وبينه فاشعرت ابن قرابه بما ذهب اليه فيه، فلم يدخل له دارا ولا جلس معه في طيار الى ان فرج الله امرهم، ولم تطل المده قال الصولي: وكان المحسن مقيما عندي ايام نكوبهم، وكنت كثير الانحراف اليهم، فلما عادوا الى المنزله التي كانوا بعدوا عنها اختصني على بن الفرات وأمرني بملازمه مجلسه وزاد في رزقي سبعين دينارا وقال لي:
انظر ما تريد من الاعمال اقلدك اياه، فسعى بي المحسن الى ابيه بفعل واش وشى بي اليه، فثقل جانبي على الوزير، حتى قلت في ذلك قصيده فاصغى إليها وقبل اعتذارى فيها، وزال ما كان في نفسه، وبقي المحسن على غله، ومن الشعر إذا اختصرناه.
قل لرحا ملكنا وللقطب ... وسيد وابن ساده نجب
وللوزير البعيد همته ... البالغ المجد غاية الرتب
لا والذى أنت من فواضله ... يا منقذ الملك من يد النوب
ما كان شيء مما وشى لكم ... ذو حسد مفتر وذو كذب
هل عله اوجبت على سوى ... مدحى وشكرى في الجد واللعب
اكفر نعماكم ويشكرها ... عدوكم ان ذا من العجب
فسائلوا علم ذاك انفسكم ... فليس رأيي عنكم بمحتجب
متى سمعتم من السعاة أراني ... الله أشلاءهم على الخشب
واوطن الحتف في ديارهم ... حتى يبادوا بالويل والحرب
وليكم راس مالكم ابدا ... والراس ان ضاع ليس كالذنب
وفي هذه السنه توفى يانس الموفقى، وكان رفيع المكانه عند السلطان، عظيم الغناء عنه، ولقد عزى به نصر الحاجب يوم وفاته، فجعل يبكى ولا يتعزى، وقال: لقد اصيب الملك مصيبه لا تنجبر، وقال: من اين للخليفة رجل مثله! شيخ ناصح مطاع ينزل عند سور داره من خيار الفرسان والغلمان والخدم الف مقاتل، فلو حزب السلطان امر وصاح به صائح من القصر لوافاه من ساعته في هذا العدد قبل ان يعلم بذلك غيرهم من جنسه فلما توفى يانس انتصح نصر الحاجب الخليفة في أمواله