فتراجع ابو جعفر عن موضعه، وتوقف عن تفسير هذا القول لمعز الدولة، وفطن معز الدولة ان توقفه لامر كره ذكره، فقال لأبي سهل العارض: انظر ما يقول، ففسر له تفسيرا لم يفهم عنه، ولا استوفى القول فيه، وتلجلج في ذكر رجال الحديث حتى استفهم معز الدولة اسماءهم، وقال: هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال ابو الحسن: لا، هؤلاء رجال نقلوا لنا الحديث عنه.
ثم عاد ابو جعفر الى الترجمه بينهما، وقال ابو الحسن: ومن اولى ما نظر فيه الأمير وقدمه، سد هذه البثوق التي هي اصل الفساد وخراب السواد، فقال:
وقد نذرت لله عند حضورى في هذه الحضره، الا اقدم شيئا على ذلك، ولو انفقت فيه جميع ما املك، قال: اذن يحسن الله عونك، ويذلل لك كل صعب، ويسهل كل مراد بين يديك.
فلما انقضى القول بينهما في ذاك، قال معز الدولة، اذكر حوائجك، لأتقدم فيها بما اقضى به حقك، قال: الحاجة الحاضره هي الى الله تعالى في ان يطيل بقاءك ويديم علاك، ومتى عرضت من بعد حاجه إليك، كان المعول فيها عليك، قال: لا بد من ان تذكر شيئا، قال: حراسه منازلي، فإنها تشتمل على عدد كثير من بنين وبنات وعجائز واهل واقارب واتباع واصحاب، قال: هذا اقل ما افعله.
ونهض ابو الحسن، وشيعه ابو جعفر ومشى الغلمان بين يديه.
وتوفى ابو الحسن بعد عبور معز الدولة، وهزيمته ناصر الدولة بيوم، فمضى ابو عمران موسى بن قتادة، وكان معه مائتا رجل من الديلم، فنزل داره، وركب الصيمرى إليها، وقد فرغ من تجهيزه، ووضع في تابوته فصلى عليه، وقال لموسى:
اخرج من هذه الدار، فما يجوز نزولك فيها، فقال: لا اخرج، فقال: لا لا امكنك منها، فقال: لا اقبل منك، قال: إذا لم تقبل اكرهتك، وتنابذا بالقول تنابذا تولدت منه فتنه، واجتمع الى موسى اصحابه، والى ابى جعفر آخرون.
وعرف معز الدولة ذاك، فبادر لإطفاء النائرة، وقال للصيمرى: ليس هذا وقت ذاك، قال: بلى ايها الأمير، هذا وقته، ومتى افتتحنا امرنا بسقوط هيبتنا استمر ذلك وبعد تلافيه، وازداد الأمر من بعد وهنا، والطمع استحكاما