للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما عرفت أنها قد استرسلت إليه، ووثقت به، قَالَ لها: إن لي بالعراق أموالا كثيرة، وبها طرائف وثياب وعطر، فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي وأحمل إليك من بزوزها وطرائف ثيابها، وصنوف ما يكون بها من الأمتعة والطيب والتجارات، فتصيبين في ذلك أرباحا عظاما، وبعض ما لا غنى بالملوك عنه، فإنه لا طرائف كطرائف العراق! فلم يزل يزين لها ذلك حتى سرحته، ودفعت معه عيرا، فقالت: انطلق إلى العراق، فبع بها ما جهزناك به، وابتع لنا من طرائف ما يكون بها من الثياب وغيرها فسار قصير بما دفعت إليه حتى قدم العراق، وأتى الحيرة متنكرا، فدخل على عمرو بن عدي، فأخبره بالخبر، وقال: جهزني بالبز والطرف والأمتعة، لعل الله يمكن من الزباء فتصيب ثارك، تقتل عدوك فأعطاه حاجته، وجهزه بصنوف الثياب وغيرها، فرجع بذلك كله إلى الزباء، فعرضه عليها، فأعجبها ما رأت، وسرها ما أتاها به، وازدادت به ثقة، وإليه طمأنينة، ثم جهزته بعد ذلك بأكثر مما جهزته في المرة الأولى، فسار حتى قدم العراق، ولقي عمرو بن عدي، وحمل من عنده ما ظن أنه موافق للزباء، ولم يترك جهدا، ولم يدع طرفة ولا متاعا قدر عليه إلا حمله إليها ثم عاد الثالثة إلى العراق فأخبر عمرا الخبر، وقال: اجمع لي ثقات أصحابك وجندك، وهيئ لهم الغرائر والمسوح- قَالَ ابن الكلبي: وقصير أول من عمل الغرائر- واحمل كل رجلين على بعير في غرارتين، واجعل معقد رءوس الغرائر من باطنها، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها، وخرجت الرجال من الغرائر، فصاحوا بأهل المدينة فمن قاتلهم قتلوه، وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف.

ففعل عمرو بن عدي، وحمل الرجال في الغرائر على ما وصف له قصير، ثم وجه الإبل إلى الزباء عليها الرجال وأسلحتهم، فلما كانوا قريبا من مدينتها، تقدم قصير إليها، فبشرها وأعلمها كثرة ما حمل إليها من الثياب والطرائف، وسألها أن تخرج فتنظر إلى قطرات تلك الإبل، وما عليها من الأحمال، فإني

<<  <  ج: ص:  >  >>