لهم قدرا يفيدونه ما عندهم، فتفرغ بهرام لتعلم كل ما سأل أن يتعلم، وللاستماع من أهل الحكمة وأصحاب الحديث، ووعى كل ما استمع، وثقف كل ما علم بأيسر تعليم وألفى بعد أن بلغ اثنتي عشرة سنة، وقد استفاد كل ما أفيد وحفظه، وفاق معلميه ومن حضره من أهل الأدب، حتى اعترفوا له بفضله عليهم.
وأثاب بهرام المنذر ومعلميه، وأمرهم بالانصراف عنه، وأمر معلمي الرمي والفروسية بالإقامة عنده، ليأخذ عنهم كل ما ينبغي له التدرب به، والإحكام له، ثم دعا بهرام بالنعمان بن المنذر، وأمره أن يؤذن العرب بإحضار خيلهم من الذكور والإناث على أنسابها، فآذن النعمان للعرب بذلك، وبلغ المنذر الذي كان من رأي بهرام في اختيار الخيل لمركبه، فقال لبهرام: لا تجشمن العرب إجراء خيلهم، ولكن مر من يعرض الخيل عليك، واختر منها رضاك، وارتبطه لنفسك فقال له بهرام: قد أحسنت القول، ولكنى افضل الرجال سؤددا وشرفا، وليس ينبغي أن يكون مركبي إلا أفضل الخيل، وإنما يعرف فضل بعضها على بعض بالتجربة، ولا تجربة بلا إجراء.
فرضي المنذر مقالته، وأمر النعمان العرب فأحضروا خيولهم، وركب بهرام والمنذر لحضور الحلبة، وسرحت الخيل من فرسخين، فبدر فرس أشقر للمنذر تلك الخيل جميعا سابقا، ثم أقبل بعده بقيتها بداد بداد من بين فرسين تاليين، أو ثلاثة موزعة، أو سكيتا فقرب المنذر بيده ذلك الأشقر إلى بهرام، وقال: يبارك الله لك فيه، فأمر بهرام بقبضه وعظم سروره به، وتشكر للمنذر.
وإن بهرام ركب ذات يوم الفرس الأشقر الذي حمله عليه المنذر إلى الصيد، فبصر بعانة، فرمى عليها وقصد نحوها، فإذا هو بأسد قد شد على