للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرى، ومعي من ترى! لقد غررت بنفسك وأصحابك، فإن أحببت أذنت لك، فرجعت إلى بلادك ولم أهجك، ولم ينلك ولا أحدا من أصحابك مني ولا من أحد من أصحابي مكروه، وإن أحببت ناجزتك الساعة، وإن أحببت أجلتك حتى تنظر في أمرك، وتشاور أصحابك.

فأعظم وهرز أمرهم، ورأى أنه لا طاقة له بهم، فأرسل إلى مسروق: بل تضرب بيني وبينك أجلا، وتعطيني موثقا وعهدا، وتأخذ مثله مني، ألا يقاتل بعضنا بعضا حتى ينقضي الأجل، ونرى رأينا.

ففعل ذلك مسروق، ثم أقام كل واحد منهما في عسكره، حتى إذا مضى من الأجل عشرة أيام، خرج ابن وهرز يسير على فرس له، حتى دنا من عسكرهم، وحمله فرسه، فتوسط به عسكرهم، فقتلوه- ووهرز لا يشعر به- فلما بلغه قتل ابنه أرسل إلى مسروق: قد كان بيني وبينكم ما قد علمتم، فلم قتلتم ابني؟ فأرسل إليه مسروق: إن ابنك حمل علينا، وتوسط عسكرنا، فثار إليه سفهاء من سفهائنا، فقتلوه، وقد كنت لقتله كارها قَالَ وهرز للرسول: قل له: إنه لم يكن ابني، إنما كان ابن زانية، ولو كان ابني لصبر ولم يغدر حتى ينقضي الأجل الذي بيننا ثم أمر فرمي به في الصعيد حيث ينظر إلى جثمانه، وحلف ألا يشرب خمرا، ولا يدهن رأسه حتى ينقضي الأجل بينه وبينهم.

فلما انقضى الأجل إلا يوما واحدا، أمر بالسفن التي كانوا فيها فأحرقت بالنار، وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فأحرق، ولم يدع منه إلا ما كان على أجسادهم، ثم دعا بكل زاد معهم فقال لأصحابه: كلوا هذا الزاد، فأكلوه، فلما انتهوا أمر بفضله فألقي في البحر، ثم قام فيهم خطيبا، فقال:

أما ما حرقت من سفنكم، فإني أردت أن تعلموا أنه لا سبيل إلى بلادكم أبدا، وأما ما حرقت من ثيابكم، فإنه كان يغيظني إن ظفرت بكم الحبش أن يصير

<<  <  ج: ص:  >  >>