ذلك إليهم، وأما ما ألقيت من زادكم في البحر، فإني كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا، فإن كنتم قوما تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك، وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي هذا حتى يخرج من ظهري، فإني لم أكن لأمكنهم من نفسي أبدا فانظروا ما تكون حالكم، إذا كنت رئيسكم وفعلت هذا بنفسي! فقالوا: لا بل نقاتل معك حتى نموت عن آخرنا، أو نظفر.
فلما كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الأجل عبى أصحابه، وجعل البحر خلفه، وأقبل عليهم يحضهم على الصبر، ويعلمهم أنهم منه بين خلتين، إما ظفروا بعدوهم، وإما ماتوا كراما، وأمرهم أن تكون قسيهم موترة، وقال:
إذا أمرتكم أن ترموا فارموهم رشقا بالبنجكان- ولم يكن أهل اليمن رأوا النشاب قبل ذلك- وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه على فيل على رأسه تاج، بين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة، لا يرى أن دون الظفر شيئا.
وكان وهرز قد كل بصره فقال: أروني عظيمهم، فقالوا: هو صاحب الفيل، ثم لم يلبث مسروق أن نزل فركب فرسا، فقالوا: قد ركب فرسا، فقال: ارفعوا لي حاجبي، وقد كانا سقطا على عينيه من الكبر، فرفعوهما بعصابة، ثم أخرج نشابة، فوضعها في كبد قوسه، وقال: أشيروا لي إلى مسروق، فأشاروا له إليه حتى أثبته، ثم قَالَ لهم: ارموا، فرموا، ونزع في قوسه حتى إذا ملأها سرح النشابة، فأقبلت كأنها رشاء، حتى صكت جبهة مسروق، فسقط عن دابته، وقتل في ذلك الرشق منهم جماعة كثيرة، وانفض صفهم لما رأوا صاحبهم صريعا، فلم يكن دون الهزيمة شيء، وأمر وهرز بجثة ابنه من ساعته فووريت، وأمر بجثة مسروق، فألقيت مكانها، وغنم من عسكرهم ما لا يحصى ولا يعد كثرة، وجعل الأسوار يأخذ من الحبشة ومن حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفين، لا يمتنعون منه