للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمِّي- وَهِيَ ظِئْرِي- قَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَلا أَرَاكَ حَيًّا بَعْدُ! فَجَاءَتْ حَتَّى انْكَبَّتْ عَلَيَّ وضمتني الى صدرها، فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَفِي حِجْرِهَا وَقَدْ ضَمَّتْنِي إِلَيْهَا، وَإِنَّ يَدِي فِي يَدِ بَعْضِهِمْ، فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يُبْصِرُونَهُمْ، فَإِذَا هُمْ لا يُبْصِرُونَهُمْ، يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا الْغُلامَ قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ، فَانْطَلِقُوا بِهِ إِلَى كَاهِنِنَا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيُدَاوِيَهُ فَقُلْتُ: يَا هَذَا، مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُ، إِنَّ آرَائِي سَلِيمَةٌ وَفُؤَادِي صَحِيحٌ، لَيْسَ بِي قَلَبَةٌ فَقَالَ أَبِي- وَهُوَ زَوْجُ ظِئْرِي- أَلا تَرَوْنَ كَلامَهُ كَلامَ صَحِيحٍ! إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَكُونَ بِابْنِي بَأْسٌ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَذْهَبُوا بِي إِلَى الْكَاهِنِ، فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى ذَهَبُوا بِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتِي قَالَ:

اسْكُتُوا حَتَّى أَسْمَعَ مِنَ الْغُلامِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ، فَسَأَلَنِي، فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي مَا بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلِي وَثَبَ إِلَيَّ فَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا لَلْعَرَبِ، يَا للعرب! اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه، فو اللات وَالْعُزَّى لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ، لَيُبَدِّلَنَّ دِينَكُمْ وَلُيُسَفِّهَنَّ عُقُولَكُمْ وَعُقُولَ آبَائِكُمْ، وَلَيُخَالِفَنَّ أَمْرَكُمْ، وَلَيَأْتِيَنَّكُمْ بِدِينٍ لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ! فَعَمَدَتْ ظِئْرِي فَانْتَزَعَتْنِي مِنْ حِجْرِهِ وَقَالَتْ: لأَنْتَ أَعْتَهُ وَأَجَنُّ مِنَ ابْنِي هَذَا! فَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا غَيْرُ قَاتِلِي هَذَا الْغُلامَ ثُمَّ احْتَمَلُونِي فَأَدَّوْنِي إِلَى أَهْلِي فَأَصْبَحْتُ مُفَزَّعًا مِمَّا فُعِلَ بِي، وَأَصْبَحَ أَثَرُ الشَّقِّ مَا بَيْنَ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي كَأَنَّهُ الشِّرَاكُ، فَذَلِكَ حَقِيقَةُ قَوْلِي وَبَدْءُ شَأْنِي يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ.

فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ أَنَّ أَمْرَكَ حَقٌّ، فَأَنْبِئْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>