تَلِفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ ... كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ
فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ، عَلَى جَمَلٍ يَسِيحُ، إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لارْتِجَاسِ الإِيوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ:
إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَبُعِثَ صَاحِبُ الْهَرَاوَةِ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَخَمِدَتْ نَارُ فَارِسَ، فَلَيْسَتِ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَأْمًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلُّ مَا هُو آتٍ آتِ.
ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، فَقَامَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمَّ شِمِّيرُ ... لا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
إِنْ يَكُ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ ... فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ ... تَهَابُ صَوْلَهُمُ الأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ مِهْرَانُ وَإِخْوَتُهُ ... وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا ... أَنْ قَدْ أَقَلَّ، فَمَهْجُورٌ وَمَحْقُورُ
وَهُمْ بَنُو الأُمِّ لَمَّا أَنْ رَأَوْا نَشَبًا ... فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ والشَّرُ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ ... فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ
فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى كِسْرَى، أَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ.
فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى مُلْكِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ