للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: بَعَثَ وَهْرَزٌ بِأَمْوَالٍ وَطرفٍ مِنْ طرفِ الْيَمَنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا صَارَتْ بِبِلادِ بَنِي تَمِيمٍ، دَعَا صعصعة ابن نَاجِيَةَ بْنِ عِقَالٍ الْمُجَاشِعِيُّ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى الْوُثُوبِ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي بِلادِ بَنِي يَرْبُوعٍ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَهَابُوهُ، فَقَالَ: يَا بَنِي يَرْبُوعٍ، كَأَنِّي بِهَذِهِ الْعِيرِ قَدْ مَرَّتْ بِبِلادِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَوَثَبُوا عَلَيْهَا فَاسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى حَرْبِكُمْ! فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ انْتَهَبُوهَا، وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ يُقَالُ لَهُ النَّطِفُ خَرَجَا فِيهِ جَوْهَرُ، فَكَانَ يُقَالُ: أَصَابَ كَنْزَ النَّطِفِ، فَصَارَ مَثَلًا، وَأَخَذَ صَعْصَعَةُ خَصَفَةً فِيهَا سَبَائِكُ فِضَّةٍ، وَصَارَ أَصْحَابُ الْعِيرِ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ بِالْيَمَامَةِ، فَكَسَاهُمْ، وَزَوَّدَهُمْ وَحَمَلَهُمْ، وَسَارَ مَعَهُمْ حَتَّى دَخَل عَلَى كِسْرَى وَكَانَ لِهَوْذَةَ جَمَالٌ وَبَيَانٌ، فَأُعْجِبَ بِهِ كِسْرَى وَحَفِظَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ، وَدَعَا بِعِقْدٍ مِنْ دُرٍّ فَعَقَدَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَسَاهُ قَبَاءَ دِيبَاجٍ، مَعَ كِسْوَةٍ كَثِيرَةٍ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ هَوْذَةُ ذَا التَّاجِ، وَقَالَ كِسْرَى لِهَوْذَةَ: أَرَأَيْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِنْ قَوْمِكَ هُمْ؟

قَالَ: لا، قَالَ: أَصُلْحٌ هُمْ لَكَ؟ قَالَ: بَيْنَنَا الْمَوْتُ، قَالَ: قَدْ أَدْرَكْتَ بَعْضَ حَاجَتِكَ وَنِلْتَ ثَأْرَكَ وَعَزَمَ عَلَى تَوْجِيهِ الْخَيْلِ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، فَقِيلَ لَهُ:

إِنَّ بِلَادَهُمْ بِلَادُ سَوْءٍ، إِنَّمَا هِيَ مَفَاوِزُ وَصَحَارَى لا يُهْتَدَى لِمَسَالِكِهَا، وَمَاؤُهُمْ مِنَ الآبَارِ، وَلا يُؤْمِنُ أَنْ يُعَوِّرُوَهَا فَيَهْلَكُ جُنْدُكَ وَأُشِيرَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَحْرَيْنِ وهو آزاذفروز بْنُ جَشْنَسَ الَّذِي سَمَّتْهُ الْعَرَبُ الْمُكَعْبَرُ- وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُكَعْبَرُ، لأَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَآلَى أَلَّا يَدَعَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَيْنًا تُطْرَفُ- فَفَعَلَ، وَوَجَّهَ لَهُ رَسُولًا وَدَعَا بِهَوْذَةَ فَجَدَّدَ لَهُ كَرَامَةً وَصِلَةً وَقَالَ: سِرْ مَعَ رَسُولِي هَذَا فَاشْفِنِي وَاشْتَفَّ، فَأَقْبَلَ هَوْذَةُ وَالرَّسُولُ مَعَهُ حَتَّى صَارَ إِلَى الْمُكَعْبَرِ، وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَيَّامِ اللِّقَاطِ، وَكَانَ بَنُو تَمِيمٍ يَصِيرُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى هَجَرِ، لِلْمِيرَةِ وَاللِّقَاطِ، فنادى منادى المكعبر: من كان هاهنا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَلْيَحْضُرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>