للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح

هذه المسألة المختار* فيها أن نقول ((متعبِّداً)) بكسر الباء (١) على أنه اسم

فاعل (٢) ، ومعناه: أنه صلى الله عليه وسلم كان -[كما قيل] (٣) في سيرته - ينظر إلى ما عليه الناس فيجدهم على طريقةٍ لا تليق بصانع العالم، فكان يخرج إلى غار حراء (٤) يَتَحَنَّث (٥) - أي: يَتَعَبَّد - ويقترح أشياء لقُرْبها من المناسب في اعتقاده. ويخشى أن لا

تكون مناسبة لصانع العالم، فكان من ذلك في ألَمٍ عظيمٍ، حتى بعثه الله تعالى وعلَّمه جميع طرق الهداية وأوضح له جميع مسالك الضلالة، زال عنه ذلك الثِّقَل الذي كان يجده، وهو المراد بقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك} (٦) على أحد التأويلات، أي الثِّقَل الذي كُنْتَ تجده من أمر العبادة والتقرُّب (٧) ،

فهذا


(١) انظر: نفائس الأصول (٦/٢٣٦٠) . علماً بأن الإسنوي ضبط الفعل: " تُعُبِّد " بضمتين أي: كُلِّف فهو متعبَّد. انظر: نهاية السول (٣/٤٦) ، وكذلك السبكي ضبط كلمة " متعبَّد " بالفتح كما وضحه الزركشي في تشنيف السامع (٣ / ٤٣٢) وجلال الدين المَحلِّي في شرح جمع الجوامع (بحاشية البناني) (٢/٣٥٣) ، وكذلك أشار ابن أمير الحاج إلى الفتح كما في التقرير والحبير (٢ / ٤١٢) . ولعل الأوجه في الاختيار هو ما اختاره القرافي بالكسر لما ذكره من الحجج بعد ذلك.
(٢) اسم الفاعل: هو ما اشْتُقَّ من مصدر فِعْلٍ لمن قام به على معنى الحدوث، كضَارب، ومُكْرِم, وصيغته من الثلاثي علي زنة فاعل: كضَارب، ومن غير الثلاثي بلفظ المضارع بشرط تبديل حرف المضارعة بميم مضمومة وكَسْر ما قبل آخره: كمُكْرِم. شرح شذور الذَّهَب لابن هشام ص ٣٨٥.
(٣) ساقط من س.
(٤) ساقطة من ن.
(٥) حَنِث: الحاء والنون والثاء أصل واحد، وهو: الإثم والحرج، وفلان يَتَحَنَّث من كذا: يتأثم، والتأثم هو التنحيِّ عن الإثم، ومن ذلك التحنُّث: وهو التعبد. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس، مادة " حنث ".
وحديث تحنُّثِهِ الليالي ذوات العدد في غار حراء أخرجه البخاري (٣) ومسلم (١٦٠) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٦) الشرح، الآيتان: ٢، ٣.
(٧) انظر هذا التأويل في: الكشاف للزمخشري ٤/٧٥٩، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي ٣٢/٦. قال الطبري "وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها" جامع البيان ١٥/٢٩٥
- ومن التأويلات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له ذنوب في الجاهلية قبل النبوة فغفرها تعالى له، وقيل: ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقضي ظهره ثم قواه الله تعالى. وقيل: تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر ... إلى آخر هذه التأويلات. انظر: التفسير الكبير للرازي ٣٢ / ٥، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي

٢٠ / ٦، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي ١٥ / ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>