للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِنَّةٌ " (١) فجعلوا (٢) الجنون قَسِيْم (٣) الكذب لعدم القصد فيه، مع أن خبره على التقديرين غير مطابق (٤) فدل على اشتراط* القصد في حقيقة الكذب (٥) .

وجوابهم: أنهم لم يقولوا كذب، بل افترى، والافتراء هو (٦) ابتداء (٧) الكذب واختراعه (٨) ، فَهُمْ نوَّعوا (٩) الكذب إلى اختراعٍ وجنونٍ، لا أنهم قسموا كلامه إلى كذبٍ وغيره، فيرجع الخلاف في ذلك إلى أن العرب هل وضعت لفظ (١٠) الكذب لغير المطابق كيف كان، [أو لعدم المطابقة مع القصد لذلك] (١١) ؟ وهو معنى قولي: "والخلاف لفظي (١٢) ".


(١) سبأ، من الآية: ٨.
(٢) في ق ((فجعل)) . والضمير في ((جعلوا)) عائد إلى الكفار.
(٣) قَسِيْم الشيء: ما يكون مقابلاً للشيء ومندرجاً معه تحت شيء آخر، كالاسم قسيم للفعل، وكلاهما مندرجان (قِسْمان) تحت "الكلمة" التي هي أعم منهما. وقِسْم الشيء: ما يكون مندرجاً تحته وأخص منه، كالاسم أخص من الكلمة. انظر: التعريفات ص٢٢٤.
(٤) انفردت النسخة ص بزيادة "عندهم" هنا، وهي زيادة لطيفة إذْ من شأنها أن تخصّ التكذيب بالرسالة بالكفار.
(٥) وجه الدلالة من طريق آخر: أن الكفار جعلوا إخباره صلى الله عليه وسلم عن نبوته إما كذباً وإما جنوناً. وإخباره عن نبوته حالة الجنون ليس كذباً، لأنه جُعل قسيماً للكذب، وقسيم الكذب لا يكون كذباً، وليس هو صدقاً أيضاً لأنهم لم يعتقدوا مطابقته على كلا التقديرين، فإخباره عن نبوته صلى الله عليه وسلم حالة الجنون ليس كذباً ولا صدقاً، وهو الواسطة. انظر: نهاية الوصول للهندي (٧/٢٧٠٨) .
(٦) ساقطة من ق
(٧) شذَّت نسخة ز بلفظة "أشد" بدلاً من "ابتداء"، وهو شذوذ له وجه من اللغة كما ستراه في التعليق التالي.
(٨) افْتَرى: اختلق، كما قال تعالى: {أمْ يقولون افْتَراهُ ... } [هود: ١٣] أي: اختلقه. وقال قوم مريم فيها كما حكى الله تعالى {لقد جئتِ شيئاً فرياً} [مريم: ٢٧] أي: مصنوعاً مختلقاً. والفِرْية: الكِذْبة. انظر: لسان العرب مادة "فرا". لكن في كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري ص (٥١) فرَّق بين "اختلق" و"افترى" بأن "افترى": قَطَع على الكذب وأخبر به، و"اختلق": قدَّر كذباً وأخبر به. وقال السمين الحلبي في "عمدة الحفاط" مادة "فري" (٣/٢٢٥) : "الافتراء: أقبح الكذب، أو الكذب مع التعمد عند من يرى أن الكذب مخالفة ما في الواقع مطلقاً. وهناك توجيهات ومعانٍ أخرى للآية، منها؛ أن معنى الآية: افترى أم لم يَفْتَرِ فيكون مجنوناً، لأن الجنون لا افتراء له لعدم قصده. انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني ٥ / ٥٨٢، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب ٢/٥٠، روح المعاني للألوسي ١١/٢٨٤ وفيه أجوبة حسنة.
(٩) في ق: ((قسموا)) .
(١٠) ساقطة من ق
(١١) ما بين المعقوفين كُتب في ق هكذا ((أو لذلك مع عدم القصد له)) .
(١٢) ساقطة من ن.

<<  <  ج: ص:  >  >>