للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه دليل ظني ومخالِفُه معذور والقضاء لا يُنقَض (١) .

لنا: أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراحجة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في النقيضين فيتَّحِدُ الحكم (٢) :

احتجوا بانعقاد* الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يَتْبَع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلَّده، ولا نعني بحكم الله تعالى إلا ذلك، فكلُّ مجتهد مصيب، وتكون ظنون المجتهدين تَتْبعها الأحكام كأحوال المضطَّرين والمختارين* بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة إلى شخصين كالميتة.

الشرح

حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين (٣) إذا بذل جهده فقد فَنِيَتْ قدرته، فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليفٌ بما لا يطاق، وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (٤) .

حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيُكْره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه (٥) ، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة (٦) اعْتُبِر في ظاهر


(١) انظر: المحصول ٦/٣٦
(٢) هذا دليل القائلين بأن المصيب واحد. ومفاده: أنه يستحيل أن يوجد في حكم واحد مصلحة ومفسدة فيكون حلالاً حراماً؛ لأنه جمع بين النقيضين، فيلزم أن يكون الحكم واحداً إما حلالاً أو حراماً.
(٣) في ق: ((الفقه، وهو خطأ، لأن المراد: ((الدين)) كما جاء في المتن.
(٤) البقرة، من الآية: ٢٨٦
(٥) المبدأ الإسلامي يقوم على قاعدة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦] ، وقوله تعالى {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] ، فالإسلام لم يحمل سيفه ليُكره الناسَ على اعتناقه عقيدةً، وإنما جاهد وحارب وناضل، أولاً: ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يُسَامونها، وثانياً: لإزالة العقبات من طريق إبلاغ الدعوة للناس كافة، كإزالة النُّظُم الطاغوتية التي تصدُّ الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتنهم عنه، وثالثاً: ليقيم نظاماً عادلاً آمناً يعيش أصحاب العقائد في كنفه، خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته. انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب ١/٢٩٠ - ٢٩٦. ولكن ما ذهب إليه المصنف هو أحد أقوال المفسرين، وأن آية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦] منسوخة بآيات القتال، فالواجب دعوة الناس إلى الإسلام، فإن لم يستجيبوا قوتلوا وأجبروا على الإسلام. انظر: أحكام القران لابن العربي ١/٣١٠، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٣/٢٨٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٤٦٠، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص ٤٤ - ٤٩
(٦) في ن: ((الحال)) وهو صحيح أيضاً، فهو يذكر ويؤنث انظر: هامش (٤) ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>