للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فسرت الجراحة إلى النفس، أو غرز إبرة في غير مقتل وأعقبت ورمًا .. فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبًا، ثم قال: اعتبار الآلة مطلقًا لا معنى له وإن صرح به القفال الشاشي في "محاسن الشريعة" (١) والجويني في "مختصر المختصر" والفوراني والمتولي، ألا ترى أنه لو ضربه بعصا صغيرة في مقتل أو في غيره، في شيخ كبير أو ضعيف، أو حر شديد أو برد شديد، أو والى به الضرب ضى مات بحيث كان ذلك الفعل بتلك الآلة في ذلك الشخص يقتل غالباً .. فإنه يجب القود، وأيضا فقد يضربه بمثقل كبير ضربة خفيفة لا يقتل مثلها غالبا لكنه يحتمل ويتفق الموت منها، قال: فلا ينبغي أن يغتر بكلام من ذكرنا؛ فإن مرادهم: أن القصاص لا يختص بالآلة المحددة خلافًا لأبي حنيفة، فاسترسلوا في كلام لم يقصدوا مفهومه، قال: وأما مسألة قطع الأنملة فصعبة، قال الإمام: وإيجاب القصاص فيها لا توقيف فيه، وإنما تلقاه العلماء من تصرفهم في العمد (٢).

قال السبكي: وليس استشكال الضابط بأولى من استشكال الحكم فيها إذا لم يرد توقيف، إلا أن يكون فيه إجماع، قال: ومع تسليم الحكم لا يمكن الجواب عنها، إلا بأن يقال: المراد بما يقتل غالبا في المحدد: الآلة، وفي المثقل: الفعل، وقد يستفاد ذلك من كلام صاحب "التنبيه" إذ وافق على الحد المذكور، ثم قال: فإن جرحه بما له مَوْر من حديد أو غيره فمات منه .. وجب القود، ولم يفصّل، ثم ذكر المثقل وفصل فيه، وكذلك صاحب "التهذيب" قال: وهذا إن كان مدركه أن المحدد يقتل في الغالب؛ فذلك شيء لا تنقاد النفس لقبوله (٣).

قال ابن الصباغ: ألا ترى أن الناس يحتجمون ويفتصدون، أفترى ذلك يقتل في الغالب وهم يقدمون عليه؛ ! وإن كان مدركه مزيد احتياط في المحدد .. فسيأتي الكلام عليه.

وخص "الحاوي" اعتبار الهلاك غالباً بالمثقل، واكتفى في الجارح بالهلاك كثيراً، وتبع فيه الغزالي (٤).

وقال السبكي: هو الذي يدل عليه نصه في "الأم"، ويوافقه كلام كثير من الأصحاب تصريحا وتعريضا.

وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه كلام لا يقوم عليه دليل ولا شاهد من نصوص صاحب المذهب، مع كون شيخنا يوافقه على اختصاص اعتبار الهلاك غالبا بالمثقل، لكنه يكتفي في


(١) محاسن الشريعة (ص ٥٢٧).
(٢) انظر "نهاية المطلب" (١٦/ ٤١).
(٣) التهذيب (٧/ ٣٢).
(٤) الحاوي (ص ٥٥٥)، وانظر "الوجيز" (٢/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>