للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بقي أمر مشترك بينهما، وهو: أنهما اعتبرا في المحصن كونه حرًا، ولم يعتبر ذلك "التنبيه"، بل قال [ص ٢٤١]: (إنه من وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل) فاعتبر الحرية حالة الإصابة لا حالة الزنا، ومقتضاه: أنَّه لو أحصن ذمي ثم نقض العهد والتحق بدار الحرب واسترققناه فزنا .. أنَّه يحد حد المحصن، وإن كان رقيقًا حالة رجمه، وبذلك صرح شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إن المراد: الحرية حالة التحصين لا حالة الزنا، لكنه مخالف لما في "الروضة" وأصلها: أن شرط الإحصان ثلاثة: التكليف، والحرية، والوطء في نكاح صحيح (١)، وحكى في "الكفاية" ذلك عن القاضي أبي الطيب، وأن الماوردي قال: إنه مذهب الشَّافعي، وعليه جمهور أصحابه (٢)، ثم ألزم في "الكفاية" "التنبيه" هذه الصورة، قال: وقد صرح القاضي حسين وغيره بأن عليه جلد خمسين والتغريب إن رأيناه؛ لأن الاعتبار في الحدود بحالة الوجوب، قال: فيجب أن يقال: (هو: من وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل في حالة الوطء وحالة الزنا)، قال: ويدخل في ذلك ما إذا وطئ في نكاح صحيح وهو كذلك، ثم نقض العهد واسترق، ثم عتق فزنا .. فإنه يرجم اتفاقًا كما صرح به القاضي حسين. انتهى

فما أدري من أين أخذ شيخنا ما قاله" ولعله أراد هذه الصورة التي حكى في "الكفاية" فيها الاتفاق، أو أنَّه زنا قبل الرق حالة كونه ذميًا محصنًا حرًا، لكن ينافي الصورتين معًا قوله: (إن المراد: الحرية حالة التحصين لا حالة الزنا)، ويختص "المنهاج" بأمور:

أحدها: أنَّه لو قال: (ولو ذميًا) .. لكان أولى من قوله: (ذمي) لاحتياج الرفع إلى تكلف، بل لو حذف هذه اللفظة .. لكان أولى؛ لأن الحربي إذا أصاب في حالة حرابته وبلوغه وعقله في أنكحتهم .. محصن وإن لم يكن ذميًا، فلو عقدت له ذمة فزنى .. رجم؛ فالذمة شرط لإقامة الحد عليه لا لكونه محصنًا.

ثانيها: أن قوله: "لا فاسد في الأظهر) (٣) يقتضي قوة الخلاف، وتعبير "الروضة" عنه بأنه المشهور وبه قطع الجمهور يقتضي ضعفه (٤)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: كونه لا يحصل التحصين بالوطء في الفاسد هو المعروف في الطريقين، ونسب القاضي حسين مقابله إلى أبي ثور مذهبًا له، لا أنَّه نقله عن الشَّافعي، ولا نعرف حكاية القولين إلَّا في كلام الفوراني والإمام والغزالي (٥).


(١) فتح العزيز (١١/ ١٣١)، الروضة (١٠/ ٩٠).
(٢) انظر "الحاوي الكبير" (٩/ ٣٨٥، ٣٨٨).
(٣) المنهاج (ص ٥٠٣).
(٤) الروضة (١٠/ ٨٦).
(٥) انظر "نهاية المطلب" (١٧/ ١٨٤)، و"الوجيز" (٢/ ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>