للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واعلم: أن الإمام حكى عن المحققين فيما لو علم أن التأديب لا يحصل إلَّا بالضرب المبرح .. أنَّه ليس له الضرب، لا المبرح؛ لأنه مهلك، ولا غيره؛ لعدم إفادته (١)، وعليه مشى "الحاوي" في النشوز، فقال: (ضرب إن نجع) (٢) ومقتضى ذلك: استثناؤه من عبارة "التنبيه" و"المنهاج" هنا، لكن قال الرافعي: يشبه أن يضرب ضربا غير مبرح؛ إقامة لصورة الواجب، وإن لم يفد التأديب (٣)، وأهمل في "الروضة" هذا البحث، وهو بحث حسن، ويقوى بما قاله المحققون: أنَّه لو قتل نحيفًا بضربات تقتل مثله غالبا، وتيقنا أو ظننا ظنا مؤكدأ أن الجاني لا يموت بتلك الضربات .. فلا تراعى المماثلة، بل يقتل بالسيف، حكاه الرافعي عن الإمام (٤)، وكذا لو لاطَ بصبي فمات وقلنا: يدس في دبره خشبة قريبة من آلته .. فلا يفعل إذا لم يتوقع موته بذلك، بل يقتل بالسيف، حكاه الرافعي عن "التتمة" (٥).

٥١٨٣ - قول "المنهاج" [ص ٥١٤]: (بحبس أو ضرب أو صفع أو توبيخ) فيه أمور:

أحدها: أنَّه يقتضي أنَّه ليس له الجمع بينها ولا بين نوعين منها، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة": أن له الجمع بين الحبس والضرب (٦)، ولذلك قال "الحاوي" [ص ٥٩٦]: (حبسا ولومًا وجلدًا).

ثانيها: ظاهر عبارتهما التخيير بين هذه الأمور، وليس كذلك، بل لا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما فى ونها كافيًا، حكاه الإمام عن الأصحاب، وأقره في "الروضة" وأصلها (٧)، وقد يدل عليه قول "المنهاج" بعده [ص ٥١٤]: (ويجتهد الإمام في جنسه وقدره) فإن المراد: الاجتهاد في الأصلح واللائق.

ثالثها: ظاهر كلامهما أنَّه لا يتعين للحبس مدة، وليس كذلك، بل شرطها النقص عن سنة، وقد نص عليه في "الأم" في قتل المؤمن الكافر، فقال: (ولا يبلغ بحبسه سنة) (٨)، ولم يطلع الإمام على هذا النص، فحكاه في "الغياثي" عن بعض الفقهاء، وقال: إنه فالممد، وليس التغريب حدًا كاملًا، وإنَّما هو جزء من حد، وحكى ابن الرفعة عن الزبيري تقديرها بستة أشهر، وهو محمول على العبد، ومع ذلك: ففي التعبير تساهل؛ فالمعتبر نقصها عن ستة أشهر.


(١) انظر "نهاية المطلب" (١٧/ ٣٤٧).
(٢) الحاوي (ص ٤٨٩).
(٣) انظر "فتح العزيز" (١١/ ٢٩٣).
(٤) فتح العزيز (١٠/ ٢٧٨)، وانظر "نهاية المطلب" (١٦/ ١٨١).
(٥) انظر "فتح العزيز" (١٠/ ٢٧٦).
(٦) الروضة (١٠/ ١٧٤).
(٧) فتح العزيز (١١/ ٢٨٩)، الروضة (١٠/ ١٧٤)، وانظر "نهاية المطلب" (١٧/ ٣٦٢).
(٨) الأم (٦/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>