للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البهائم ترعى في حريم السواقي .. فيجب ضمان ما تفسده إذا أرسلها بلا راع؛ لاعتياد الراعي في مثل ذلك، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص ٦٠١]: (ومتلف بهيمة سُرّحت جوار مزرع واتسع المرعى)، لكن تقييده ذلك باتساع المرعى تبع فيه الغزالي (١)، ولم يعتبره الرافعي ولا غيره، قال البارزي: ولا يظهر اتجاهه، وعبر في "تيسيره " بقوله: اتسع المرعى أو ضاق، ثم قال: ويحتمل أن الغزالي والمصنف أراد به: التصوير، لا التقييد، فإنه إذا ضمنا مع اتساع المرعى وجواز انتشار الداواب فيه وبُعدها عن المزارع .. فمع ضيق المرعى أولى، ونبه على ذلك أيضًا صاحب "التعليقة" فقال: ما أشعر به من اشتراط اتساع المرعى ليس كذلك؛ فإن الضيق كالواسع في ذلك، قال: فالأولى أن يحمل قوله: (واتسع) على أنَّه حال، وكذا قال القونوي: الواو في قوله: (واتسع المرعى) للحال.

قلت: وهذا لا يدفع الإيراد؛ فإن الحال قيد، لكن نازع شيخنا الإمام البلقيني في اعتبار هذا من أصله، وقال: الأصح عندنا: ما أطلقه الشَّافعي ومعظم الأصحاب من عدم الضمان نهارًا من غير نظر إلى ذلك في وسط المزارع أم لا.

ثانيها: يرد عليهم جميعًا: أن محل عدم الضمان: ما إذا رعت في موات أو مملوك لأصحابها، فإن أرسلت في موضع مغصوب فانتشرت منه إلى غيره فافسدته .. كان مضمونًا على من أرسلها، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وقد قال القاضي حسين: إذا خلاها في ملك الغير، فسواء كان ليلًا أو نهارًا .. فهو مضمون؛ لأنه مُتعدٍ في إرساله.

ثالثها: ويرد عليهم أيضًا: أن محل عدم الضمان: إذا كان الإرسال بالصحراء، فإن كان بالبلد فأتلفت شيئًا .. ضمنه على الأصح في "أصل الروضة" (٢)، وحكى في "المطلب" عدم الضمان عن الجمهور.

قال شيخنا الإمام البلقيني: وكأنه أخذه من حكاية الرافعي له عن غير أبي الطيب بنُ سلمة (٣)، قال: وهذا لا ينبغي أن يؤخذ منه النقل عن الجمهور.

رابعها: ومحل عدم الضمان أيضًا: إذا جرت عادة البلد بإرسال المواشي نهارًا، فإن اعتادوا حفظها ليلًا ونهارًا .. وجب الضمان ولو أتلفت نهارًا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له.

خامسها: ومحل عدم الضمان أيضًا ما إذا لم يكن وديعة أو كان لها أجير يحفظها، فمتى أرسل


(١) انظر "الوجيز" (٢/ ١٨٧).
(٢) الروضة (١٠/ ١٩٧).
(٣) انظر "فتح العزيز" (١١/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>