للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أن في "سنن البيهقي" من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "وما سكت عنه .. فهو عفو" (١) ورواه أبو داوود بإسناد صحيح عن ابن عباس (٢)، ومقتضاه: أن السكوت عنه عفو من غير مراجعة العرب.

ثانيهما: أن الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه في ذلك: أن الله تعالى أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، لا على معنى: أنهم يراجعون، بل على معنى: أنه أحل لهم ما كانوا يستطيبونه ويأكلونه إلا ما استثنى، وحرم عليهم ما كانوا يستخبثونه (٣).

قلت: الجواب عن الترديد المتقدم: أن المراد: نص كتاب أو سنة صريحاً أو استنباطاً ودلالة، ومن ذلك الأمر بقتله أو النهي عنه، فيوافق عبارة "الروضة".

وعن الحديث: أن المستخبث ليس مسكوتاً عنه، بل هو منصوص على تحريمه.

وعن النزاع الثاني: أنهم إنما يراجعون؛ لمعرفة أن هذا المشكوك فيه هل هو مما كانوا يستطيبونه أو يستخبثونه؟ وعبارة "الحاوي" [ص ٦٣٦]: (وإن أشكل .. روجعت) أي: العرب؛ ولم يقيدهم بشيء، وفي "التنبيه" [ص ٨٣]: (ولا يؤكل ما تستخبثه العرب من الحشرات) ولا حاجة لتقييده بالحشرات؛ فكل مستخبثهم حرام، واعتذر عنه في "الكفاية".

ثانيها: أنه يعتبر مع ذلك أن يكونوا سكان البلاد أو القرى دون أجلاف البوادي، وقد يقال: هذا هو مراد "المنهاج" بقوله [ص ٥٣٩]: (أهل يسار وطباع سليمة).

ثالثها: المراد: العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخطاب لهم، حكاه الرافعي عن جماعة، ثم قال: ويشبه أن يقال: يُرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه. انتهى (٤).

والمحكي عن جماعة هو منصوص الشافعي رضي الله عنه، ورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" بحث الرافعي: بأنا إذا رجعنا إلى عرب زمن فاستطابوه، ثم إن العرب في زمن بعده استخبثوه أو بالعكس؛ فإن قضينا للسابق .. لزم ألَاّ يعتبر عرب الزمن الثاني، أو للاحق .. لزم ألَاّ يعتبر عرب الزمن الأول، وكلاهما خلاف مدعاه، فإن قيل: يعتبر السابق وصار هذا معلوم الحكم بما ظهر من عرب ذلك الزمان .. قلنا: هذا خلاف إناطة الحكم بالرجوع إلى العرب الموجودين في كل زمن. انتهى.


(١) سنن البيهقي الكبرى (١٩١٧٥)، (١٩٢٤٣)، (١٩٥٠٦)، (١٩٥٠٧)، (١٩٥٠٨).
(٢) سنن أبي داوود (٣٨٠٠).
(٣) انظر "الأم" (٢/ ٢٤١).
(٤) انظر "فتح العزيز" (١٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>