للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به مقدم بناءً على القضاء بالعلم؛ لما فيه من زيادة العلم، هاذا قلنا: لا يقضي بعلمه .. فعلمه وإن لم يصلح لإثبات الحكم يصلح لدفعه؛ لأن دفع الشيء أسهل من الحكم به، والله أعلم.

خامسها: قال شيخنا أيضًا: يستثنى منه: ما لو علم القاضي الإبراء فذكره للمقر؛ فقال: أعرف صدور الإبراء منه، ومع ذلك فدينه باق عليّ، فإن القاضي يقضي على المقر بما أقر به، وإن كان على خلاف ما علمه القاضي؛ لأن الخصم قد أقر بما يدفع علم القاضي، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفقهه واضح.

قلتُ: ليس هذا قضاء على خلاف العلم؛ لأن إقرار الخصم المتأخر عن الإبراء قد رفع حكم الإبراء، فصار العمل به، لا بالبينة ولا بالإقرار المتقدم.

سادسها: قال شيخنا أيضًا: لو علم القاضي زنا المقذوف بالمشاهدة، ولم يقم القاذف بينة على زناه، وطلب المقذوف من القاضي أن يحده .. فالذي أجبت به: أن الحاكم يجيبه لذلك؛ لأن القاذف إذا لم يأت بالشهداء كاذب في علم الله تعالى؛ لقوله: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، وإذا كان كاذبًا .. أقام عليه حد القذف، وإنما لا يقضي على خلاف علمه في الموضع الذي يقضي فيه بعلمه، وحدود الله تعالى لا يقضي فيها بعلمه، فيقضي فيها على خلاف علمه.

سابعها: قد يندرج في قوله: (بخلاف علمه) حكمه بخلاف عقيدته، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا يمكن أن يدعي فيه اتفاق العلماء؛ لأن الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده.

٥٩٦٩ - قول " التنبيه " [ص ٢٥٥]: (فإن علم الحاكم وجوب الحق .. فهل له أن يحكم بعلمه؟ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: يحكم، والثاني: لا يحكم، والثالث: يحكم في غير حدود الله، ولا يحكم في حدوده)، الأظهر: الثالث كما في " المنهاج "، وعليه مشى " الحاوي " (١)، وفي كلامهم أمور:

أحدها: أن محل ذلك في غير الجرح والتعديل، فلو شهد عنده من يعرف عدالته أو جرحه .. اعتمد علمه، ولا يتخرج فيه هذه الأقوال، وقد ذكره " المنهاج " في الفصل الذي يليه، فقال: (وإذا شهد شهود فعرف عدالة أو فسقًا .. عمل به) (٢) و" الحاوي " فقال [ص ٦٦٧]: (كالتعديل)، وقد حكى غير واحد الاتفاق عليه، لكن فيه وجه ضعيف محكى فى " الروضة " وأصلها (٣)، فظاهر كلامهم العمل بذلك، ولو كان في حدود الله تعالى.


(١) الحاوي (ص ٦٦٧، ٦٦٨).
(٢) المنهاج (ص ٥٦٢).
(٣) الروضة (١١/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>