للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَكْسِهِ .. شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ) (١) أي: مع تقدير اعتدال قامة الأسفل حتَّى لو كان قصيرًا، لكنه لو كان معتدلًا لحصلت المحاذاة .. صح الاقتداء، وهنا تنبيهان:

أحدهما: أن عبارة "الروضة" تبعا لأصلها: (في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة) (٢)، وما كنت أفهم إلَّا أن هذا مثال حتَّى رأيت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني قال: إن هذا التقييد يدل على أن حكم الجبل مع السهل مغاير لذلك، وبه صرح الشيخ أَبو محمد في تصنيف له صغير سماه "احتياط الصلاة بالتمام من مواقف المأموم والإمام"، فقال: إذا وقف الإمام على السهل والمأموم على الجبل .. نظر: إن كان الجبل بحيث يمكن صعوده .. صح اقتداؤه به إذا كان مكان الارتقاء في الجهة التي فيها الإمام، وإن كان بخلاف ذلك .. كان الحكم بخلافه، ثم حكى عن الشَّافعي أنَّه قال: من صلى على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد .. فصلاته باطلة، قال: ولا بد لهذه المسألة من تأويل مستقيم؛ لأنه لا يتعذر، فمن مشايخنا من قال: إنما منع الاقتداء؛ لبعد المسافة وزيادتها على ثلاث مئة ذراع، ومنهم من قال: للمساكن المبنية هناك؛ فإنها حائلة بين الإمام والمأموم. انتهى.

وعندي أن الصورة التي تكلم عليها الشيخ أَبو محمد ليست مما نحن فيه؛ لأن صورته في الفضاء وكلامنا في البناء، فلا تلاقي بين الكلامين، وظهر به أن قول "الروضة": (من سطح ... إلى آخره) مثال، ولو صح قيدًا كما أشار إليه شيخنا .. لورد ذلك على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"، لكنه عندي مثال ولا إيراد، والله أعلم.

ثانيهما: أن كلام "المنهاج" يفهم أن اشتراط المحاذاة تأتي على الطريقين معًا؛ فإنه ذكره مجزومًا به بعد استيفاء ذكر الطريقين، وعندي أن هذا إنما هو على طريقة اشتراط الاتصال في البناء بخلاف الفضاء، و"الروضة" تبعًا لأصله وإن ذكره بعد استيفاء الطريقين، لكن عبارته: (أما إذا وقف الإمام في صحن الدار والمأموم في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة، أو بالعكس .. فبماذا يحصل الاتصال؟ وجهان) (٣) وساق الكلام على ذلك، وهو صريح في أن هذا مفرع على طريقة من يشترط الاتصال، فأما من لا يشترطه .. فإنه لا يعتبر ذلك، فلو ذكر "المنهاج" هذا الفرع في أثناء ذكر الطريقة الأولى .. لاستراح من هذا الإيهام، ولو أنَّه قال بدل قوله: (شُرِطَ محاذاة بعض بدنه): (حصل الاتصال بمحاذاة بعض بدنه) .. لطابق عبارة "الروضة" وسلم من هذا الإيهام أيضًا، والله أعلم.


(١) الحاوي (ص ١٧٩)، المنهاج (ص ١٢٣).
(٢) الروضة (١/ ٣٦٣).
(٣) الروضة (١/ ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>