للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد اعترض عليه بأمور:

أحدها: أن ما ذكره من صحة بيع السكران مع أنَّه غير مكلف كلامان متنافيان لا يمكن اجتماعهما.

فالأول للفقهاء: صححوا تصرفاته النافعة له والمضرة به حتَّى ما يوجب الحد، ولا معنى للتكليف سوى هذا.

والثاني لأهل الأصول؛ قالوا: إنه غير مكلف، فلا أثر لتصرفاته عندهم لا النافعة ولا المضرة، فخلط النووي طريقة الفقهاء بطريقة الأصوليين.

ثانيها: أن الشَّافعي رضي الله عنه نص على أنَّه مكلف، فقال: وهذا - أي: السكران - آثمٌ مضروبٌ على السُّكْرِ غَيْرُ مرفوع عنه القَلَمُ. انتهى (١).

وهو خلاف ما قاله النووي من أنَّه غير مكلف.

ثالثها: أن السفيه والمكره لا يردان على عبارة "المحرر" أيضًا؛ لأن معنى قوله: (ويعتبر في المتبايعين التكليف) أنَّه لا بد في كل بيع منه؛ أي: من التكليف، وهذا صحيح، ولا يلزم عكسه، وهو اعتبار بيع كل مكلف، لكن التعرض لهما أحسن، لكن لا يردان على "المحرر".

واعترض على تعبير المنهاج بـ (الرشد) بأمور:

أحدها: أنَّه يخرج السكران أيضًا كما أخرجه قيد التكليف عند الأصوليين، إلَّا أن يفرض في سكر لا يخرجه عن الرشد لجهل أو إكراه، وهو نادر.

ثانيها: أنَّه يرد عليه الفاسق؛ فإن بيعه صحيح، وليس برشيد؛ إذ الرشد صلاح الدين والمال.

ثالثها: أورد عليه أيضًا من طرأ سفهه بعد فك الحجر عنه؛ فإنه لا بد من إعادة الحجر عليه على الصحيح، فإذا باع قبل إعادة الحجر .. صح مع أنَّه ليس برشيد.

رابعها: أن عبارته تتناول الصبي؛ فإنه وصفه بالرشد في قوله في الصيام: (أو صبيانٍ رشداء) (٢) مع أنَّه لا يصح بيعه، أورده الشيخ فخر الدين المصري، وقال: ولو قال: (شرطه: أن يكون مختارًا غير محجور عليه) .. لم يرد شيء.

واعترض على هذه العبارة: بأن السكران يصح بيعه ولا يتحقق أنَّه مختار، والمكره بحق يصح بيعه وليس بمختار، فالأحسن أن يقال: غير مكره بباطل ولا محجور، وعبر "التنبيه" بقوله [ص ٨٧]: "لا يصح البيع إلَّا من مطلق التصرف غير محجور عليه).

ويرد عليه: عدم الإكراه بغير حق، وذكر في "الكفاية": أن مقتضى كلامه: تحقق الرشد،


(١) انظر "الأم" (٥/ ٢٥٣).
(٢) انظر "المنهاج" (ص ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>