للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست معتمرًا، لا يريد حربًا، بالمهاجرين والأنصار، في ألف وأربع مئة، وساق الهديَ، وأحرم بالعُمرة، وسار حتى وصل إلى ثنية المرار مهبط الحديبية أسفل مكة، وأمر بالنزول، فقالوا: ننزل على غير ماء؟ ! فأعطى رجُلًا سهمًا من كنانته، وغرزه في قَليب من تلك القُلُب في جوفه، فجاش الماء بالريِّ، حتى كفى الجيش، وكان اسمُ الذي أخذ السهم ناجيةَ بنَ عُمير، سائقَ بُدْنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من مشاهير معجزاته (١).

فبعثت قريشٌ عُروةَ بنَ مسعود الثقفيَّ، وهو سيدُ أهل الطائف، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن قريشًا لبسوا جلود النمور، وعاهدوا الله أن لا تدخل عليهم مكة عَنْوَة أبدًا، ثم جعل عُروة يتناول لحيةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يكلِّمه، والمغيرةُ بنُ شُعبةَ واقف على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقرع يده، ويقول: كُفَّ يدَك عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل أن لا ترجعَ إليك، فقال له عروة: ما أَفَظَّكَ وأغلظَكَ! فتبسَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.

ثم قام عُروة من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يرى ما يصنع أصحابه، لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يبصُق إلا ابتدروا بُصاقه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه.

ورجع إلى قريش، وقال لهم: إني جئتُ كسرى وقيصرَ في مُلْكهما، فو الله! ما رأيت ملكًا في قومه مثلَ محمد في أصحابه.


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٣٢٣)، عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -.