ثم قصد الفرنج بيتَ المقدس، وحصروه نيفاً وأربعين يوماً، وملكوه في ضحى نهار الجمعة، لسبعٍ بقين من شعبان، سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين أسبوعاً، وقتل في الأقصى ما يزيد عن سبعين ألفاً، منهم العلماء والزهاد، وفي البلد من المسلمين خلق كثير، وأخذوا من عند الصخرة من أواني الذهب والفضة ما لا يضبطه الوصف، وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء.
ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان، فاجتمع أهل بغداد في الجوامع، واستغاثوا وبكوا، وندب الخليفةُ ببغداد - وهو المستظهر بالله العباسي - الفقهاءَ إلى الخروج إلى البلاد؛ ليحرضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابنُ عقيل، وغيرُ واحد من أعيان الفقهاء، فساروا في الناس، فلم يفد ذلك شيئاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ووقع الخلف بين السلاطين السلجوقية، فتمكن الفرنجُ من البلاد، وانزعج المسلمون في سائر بلاد الإسلام بسبب أخذه غاية الانزعاج.
ثم استولى الفرنج على أكثر بلاد الساحل في أيامه، واستمر بيت المقدس وما جاوره من السواحل بيد الفرنج إلى أن فتحه السلطان صلاح الدين - تغمده الله برحمته - في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة، على ما سيمر بك ذلك في ترجمته - إن شاء الله تعالى -.
وكان مولد المستعلي في العشرين من شعبان، سنة سبع وستين