وفي سنة خمس وسبعين وست مئة: توجه الملك الظاهر بعساكره إلى الشام، وسار إلى بلاد الروم، واستولى على قيسارية، ثم عاد إلى دمشق، فوصل إليها في خامس المحرم، سنة ست وسبعين وست مئة، ونزل بالقصر الأبلق.
وتوفي في يوم الخميس، السابع والعشرين من المحرم، سنة يست وسبعين وست مئة وقت الزوال، وكتم مملوكُه ونائبه بدر الدين تتليك المعروف بالخزندار موته، وصبره، وتركه بقلعة دمشق إلى أن بنيت تربته بدمشق قرب الجامع، فدفن بها، وهي مشهورة معروفة، وارتحل بدر الدين بالعساكر ومعهم المحفَّة، مظهراً أن الملك الظاهر فيها، وأنه مريض، وسار إلى ديار مصر، وكان الملك الظاهر قد حلف العسكر لولده بركة بن بيبرس، ولقَّبه: الملك السعيد، وجعله وليَّ عهده، فوصل تتليك الخزندار بالعساكر والخزائن إلى الملك السعيد بقلعة الجبل، وعند ذلك أظهرَ موت الملك الظاهر، وجلس ابنُه السعيد للعزاء.
وكانت مدة مملكة الملك الظاهر نحو سبعَ عشرةَ سنة، وشهرين وعشرة أيام، وكان ملكاً جليلاً، شجاعا عاقلاً مهيباً، ملكَ الديار المصرية والشام، وفتح الفتوحات الجليلة، مثل: صفد، وحصن الأكراد، وأنطاكية، وغيرها، وحكم وعدل، وأبطل المظالم وأسقط تشفع الأملاك، وكان جملة ما يحمل منها إلى الديوان ألف ألف دينار، مع عدة مظالم.
واهتم بعمارة الحرم الشريف النبوي، وجهز إليه أصناف الآلات والصنَّاع والمهندسين في البر والبحر، والزيت والشمع، وزاد فيه كثيراً.