هو أبو النصر قايتباي الظاهري؛ نسبة إلى الملك الظاهر جقمق، بويع له بالسلطنة بحضرة أمير المؤمنين، وأصحاب الحل والعقد، وجلس على تخت الملك الشريف بعد طلوع الشمس بعشر درج من يوم الاثنين، سادس شهر رجب الفرد الحرام، سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة، وقبض على تمربغا وخايربك - المشار إليهما فيما تقدم -، وكان من أمرهما ما سبق شرحه، واستمر الملك الأشرف في المملكة، وثبت قدمه في السلطنة، ونشر العدل في الرعية، واطمأن الناس بولايته، وبرز أمره الشريف بإحضار الأمير أزبك من نيابة الشام، واستقر به أتابك العساكر بالديار المصرية، وقد رسم للملك الظاهر تمربغا بعد خلعه بإقامته بدمياط، وعدم التضييق عليه، وسيره إليها، فأقام بها أياماً، ثم وسوس إليه الشيطان، وحَسَّن له الفرارَ منها، وكأنّ نفسه حدثته بالعود إلى السلطنة، فخرج منها قاصداً نحو البلاد الشامية، فجهز السلطان خلفه جماعة، فأدركوه بالقرب من مدينة غزة، فقبض عليه، ورسم السلطان بتجهيزه إلى الإسكندرية، فتوجه إليها، واستمر بها إلى أن مات.
ثم في أواخر السنة المذكورة، وهي سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة أنعم السلطان على القاضي غرس الدين خليل الكناني الشافعي أخي الشيخ أبي العباس باستقراره في وظيفة مشيخة الصلاحية، وقضاء الشافعية بالقدس الشريف عوضاً عن الشيخ نجم الدين بن جماعة، وحضر إلى القدس في أواخر ذي القعدة منها.