قال: بلى والله! لقد أُخبِرتُ أنكما تابعتما محمدًا، وبطشَ بسعيد بن زيد، فقامت أختُه لتكفَّه عنه، فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك، قالت أخته: نعم، والله! قد أسلَمْنا، وآمنا بالله ورسوله، فاصنعْ ما شئتَ، فندم، وطلب الصحيفة التي يقرؤونها، قالت: إنك نجس على شركك، فلا تمسها، فكان عمر يقول: ما عرفتُ ذُلّ الشرك إلا ذلك اليوم، فقام واغتسل، فأعطته الصحيفة فقرأها، وفيها:{طه}[طه: ١]، فلما قرأ بعضها، قال: ما أحسنَ هذا الكلامَ وأكرمَه! ثم أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بدارٍ عندَ الصفا، وعنده قريبُ أربعين نفسًا، ما بين رجال ونساء، منهم: حمزة، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، فقصدهم عمر وهو متوشِّح بسيفه، واستأذن في الدخول، فأذن له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل، نهض إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه، وأخذ بمجمع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة، وقال:"ما جاءَ بكَ يا بنَ الخَطَّاب؟ ما أراكَ تنتهي حتى تَنْزِلَ بكَ قارعَةٌ"، فقال عمر: يا رسول الله! جئت لأومن بالله ورسوله، فكبّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تكبيرة، علم مَنْ في البيت أن عمر قد أسلم، ثم قال عمر: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال:"إي والذي بعثني بالحقِّ نبيًا"، قال: أما والذي بعثك بالحق نبيًا! لا يُعبد الله بَعدَ اليوم سِرًّا.
* * *
[* ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *]
لما رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من