ثم في سنة تسع وسبعين وست مئة: جهز الملك المنصور قلاوون عساكر ديار مصر مع علم الدين سنجر الحلبي الذي تقدم ذكر سلطنته بدمشق عقيب قتل قطز، لقتال سنقر الأشقر المستولي على الشام، فسارت العساكر إلى الشام، وبرز سنقر الأشقر إلى ظاهر دمشق، والتقى الفريقان في تاسع عشر صفر، فولى الشاميون وسنقر الأشقر منهزمين، ونهبت العساكر المصرية أثقالهم، وهرب سنقر إلى الرحبة، ثم سار إلى صِهْيَون، واستولى عليها، وعلى برزيه، وبلاطنس، والشغر، وبكاس، وعكار، وشيزر، وفامية، فصارت هذه الأماكن لسنقر الأشقر.
وفي سنة أربع وثمانين وست مئة: سار الملك المنصور قلاوون بالعساكر المصرية والشامية إلى حصن المرقَب، ونصب عليه عدة مناجنيق كباراً وصغاراً، فطلب أهله الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وصعدت الصناجق السلطانية عليه، وتسلَّمه في نهار الجمعة، تاسع عشر ربيع الأول، وكان يوما مشهوداً.
وفي سنة ست وثمانين وست مئة: جهز السلطان عسكراً كثيفاً مع نائبه حسام الدين طرنطاي إلى صهيون، فحاصرها، وأخذها من سنقر الأشقر، ثم سار إلى اللاذقية، وكان فيها برج للفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته، فحاصره، وتسلمه بالأمان، وهدمه، ثم توجه إلى الديار المصرية، وصحبته سنقر الأشقر، فلما وصلا إلى قلعة الجبل، ركب الملك المنصور قلاوون، والتقى مملوكه حسام الدين، وسنقر الأشقر، وأكرمه، ووفى له بالأمان، وبقي سنقر الأشقر مكرَّماً محترماً مع السلطان