ثم في سنة ثمان وست مئة: عاد الملك العادل إلى الشام، ثم رجع إلى الديار المصرية، ثم نزل بسبب وصول الفرنج إلى عكا، ووقع لهم وقائع في سنة أربع عشرة وست مئة.
ثم إنه كان نازلاً مرج الصفر، وقد أرسل العساكر إلى ولده الملك الكامل بالديار المصرية، ثم رحل الملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين: قرية ظاهر دمشق، وهي عند عقبة أفِيقٍ، فنزل بها، ومرض، وافشد مرضه، ثم انتقل هناك إلى رحمة الله تعالى في سابع جمادى الآخرة، سنة خمس عشرة وست مئة، وكان مولده سنة أربعين وخمس مئة، فكان عمره خمساً وسبعين سنة.
وكانت مدة ملكه لدمشق ثلاثاً وعشرين سنة، ولمصر نحو تسع عشرة سنة، وكان - رحمه الله تعالى - حازماً متيقظاً، غزير العقل، سديد الآراء، ذا مكر وخديعة، صبوراً حليما، يسمع ما يكره، ويُغضي عنه، وأتته السعادة، واتسع ملكه، وكثرت أولاده، ورأى فيهم ما يحب، وخلَّف ستة عشر ولداً ذكراً غيرَ البنات، ولم يكن عنده حاضراً أحد من أولاده، فحضر إليه ابنه الملك المعظم عيسى، وكان بنابلس، فكتم موته، وأخذه ميتاً في مِحَفَّة، وعاد به إلى دمشق، واحتوى على جميع ما كان مع أبيه من الجواهر والسلاح، فلما وصل إلى دمشق، حلف الناس، وأظهر موت أبيه، وكتب إلى الملوك من إخوته وغيرهم يخبرهم بموته.