- أنَّ الإنسانَ لا يخفى أنه يحِبُّ البقاء، ويؤثر أن يكون في زُمرة الأحياء، فأيُّ فرقٍ يكون بين ما رآه أمسِ أو سمعه، وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبارَ الماضينَ وحوادثَ المتقدمين، فإذا طالَعها فكأنَّه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضَرهم.
- ومنها: أنَّ الملوكَ ومَنْ إليهم الأمرُ والنهي إذا وقَفوا على ما فيها من سيرة أهل الجَور والعدوان ورأَوْها مدوَّنة في كتبٍ يتناقلها الناسُ فيرويها خلفٌ عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذِّكر وقبيح الأُحدوثة، وخرابِ البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال، استقبحوها وأَعْرضوا عنها واطَّرحوها.
وإذا رأَوْا سيرةَ الوُلاة العادلين وحسنَها وما يتبعها من الذِّكر الجميل بعد ذهابهم، وأنَّ بلادهم وممالكهم عَمَرت، وأموالَها درَّت، استحسنُوا ذلك ورَغِبوا فيه وثابروا عليه وتَركوا ما ينافيه، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصَّائبة التي دفعوا بها مضرَّات الأعداء، وخَلُصوا بها من المهالك، واستصانوا نفائسَ المدنِ وعظيمَ الممالك، ولو لم يكن فيها
(١) انظر هذه الفوائد في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١/ ٩ - ١٠).