به، وتطيَّروا منه، فقال بعضهم: لعل فيه الخيرة، وما تعلمون.
فكان كما قال، ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع.
ولما ملك نورُ الدين محمودُ بن عماد الدين زنكي دمشق في التاريخ المتقدم ذكره في ترجمته، لازم نجمُ الدين أيوبُ خدمته، وكذلك ولدُه صلاحُ الدين يوسف، ولم تزل محامل السعادة عليه لائحة، والنجابة له ملازمة، تقدمه من حالة إلى حالة، ونور الدين يرى له، ويؤثره، ومنه تعلم صلاحُ الدين طرائقَ الخير، وفعلَ المعروف والجهاد.
* ذكرُ ملكِ أسدِ الدين مصر: في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة، في ربيع الأول، سار أسد الدين شيركوه بن شادي إلى ديار مصر، ومعه العساكر النورِيَّة، وسبب ذلك: تمكُّن الفرنج من البلاد المصرية، وتحكمهم على المسلمين بها، حتى ملكوا بلبيس قهراً في مستهل صفر من هذه السنة، ونهبوها، وقتلوا أهلها وأسروهم، ثم ساروا من بلبيس، ونزلوا على القاهرة عاشر صفر، وحصروها، فأحرق شاور وزيرُ العاضد مدينةَ مصر، خوفاً أن يملكها الفرنج، وأمر أهلها بالانتقال إلى القاهرة، فبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوماً.
فأرسل العاضد الخليفةُ إلى نور الدين يستغيث به، وأرسل في الكتب شُعورَ النساء، وصانعَ شاوَرُ الفرنجَ على ألف ألف دينار يحملها إليهم، فحمل إليهم مئة ألف دينار، وسألهم أن يرحلوا عن القاهرة؛ ليقدر على جمع المال وحمله، فرحلوا.