رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئًا، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم، فلم يزل بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم - وليتني فعلت - فلم يُقَدَّر لي ذلك.
ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوكَ (١)، فقال وهو جالس في القوم بتبوك:"ما فعلَ كعبٌ؟ "، فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه بُرداه ونظرهُ في عِطْفَيه، فقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: بئسَ ما قلتَ، والله يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيرًا.
فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاء المخلَّفون، فطَفِقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووَكَلَ سرائرهم إلى الله تعالى، فجئته، فلما رآني، تبسَّم تبسُّمَ المغضَب، وقال:"تَعالَ"، فجئت أمشي، حتى جلست بين يديه، فقال:"ما خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تكنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ "، فقلت: بلى، والله! لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرجُ من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلًا، ولكني - والله - لقد علمتُ، لئن حَدَّثتك اليومَ حديثَ كذب، ترضى به عني، ليوشكَنَّ الله أن يُسخطك عليَّ، ولئن حدثتك اليوم حديث صدق تجدُ عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفوَ الله، لا والله! ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ