للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن مسعود: نعى إلينا نبينا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم - نفسَه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق، جمعنَا في بيت عائشة رضي الله عنها، فنظر إلينا، وشدد، ودمعت عيناه، وقال: "مَرْحَبًا بِكُمْ، حَيَّاكُمُ اللهُ، رَحِمَكُمُ اللهُ، آواكُمُ اللهُ، حَفِظَكُمُ اللهُ، رَفَعَكُمُ اللهُ، نَفَعَكُمُ اللهُ، وَفَّقَكُمُ اللهُ، سَلَّمَكُمُ اللهُ، قَبِلَكُمُ اللهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوصِي اللهَ بِكُمْ، وأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، وَأُحَذّرُكُمُ اللهَ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللهِ في عِبادِهِ وَبِلَادِهِ؛ فَإِنَّه قَالَ لي وَلَكُمْ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣]، دَنَا الفِرَاقُ، وَالمنَقَلبُ إِلَى اللهِ، إلَى جَنَّةِ المأْوَى، وإِلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَإِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى، وَالكَأْسِ الأَوْفَى، وَالعَيْشِ الأَهْنَى" (١).

ولما ثَقُل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءه بلال ليؤْذِنَه بالصلاة، فقال: "مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسولَ الله! إن أبا بكر رجلٌ أَسيفٌ، وإن يقمْ مقامَك لا يُسْمعِ الناسَ، فلو أمرتَ عمرَ، قال: "مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فقالت عائشة لحفصة: قولي له، فقالت له حفصة: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامَك، لا يُسمعِ الناسَ، فلو أمرت عمر، فقال: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بالنَّاسِ"، فأمروا أبا بكر يصلي بالناس،


(١) رواه البزار في "مسنده" (٢٠٢٨)، والطبري في "تاريخه" (٢/ ٢٢٨)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (٣٩٩٦)، وفي "الدعاء" (ص: ٣٦٦).