ثم نام، فرأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: سلِّمْ على شيخك، وقل له: رسولُ الله يقول لكَ: أجِزني بلا شيء، فإن لم يصدِّقْك، فقل له: بأمارة زُمرًا زُمرًا.
فلما وصل الفقير إلى مصر، اجتمع بشيخه، وبلّغه الرسالة بغير أمارة، فلم يصدِّقه، فقال له: بأمارة زُمرًا زُمرًا، فصاح الشيخ، وخرّ مغشيًا عليه.
فلما أفاق، سأله أصحابه عن ذلك، قال: كنت كثيرًا ما أتلو القرآن، فمررت يومًا على قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨)} [البقرة: ٧٨]، فحلفت أن لا أقرأ القرآن إلا متدَبِّرًا فهمًا، فأقمتُ لا أتجاوز من القرآن إلا اليسير مدّة طويلة، حتى نسيتُه، فكفرت عن يميني، وشرعت في حفظه، فبينما أنا أتلو ذات يوم، إذ مررتُ على قوله عز وجل:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}[فاطر: ٣٢] الآية. فقلت: ليت شعري، من أي الأقسام أنا؟ ثم قلت: لست من الثاني، ولا من الثالث بيقين، فيعني أن أكون من القسم الأول، فنمت تلك الليلة حزينًا، فرأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: بشّر قُرَّاءَ القرآن أنهم يدخلون زُمَرًا زُمَرًا.
ثم أقبلَ على ذلك الفقير يقبِّل وجهَه، وقال: أُشهِدكم عليَّ: أنني قد أجزتُه، ليقرأ ويُقرِئ من شاء أين شاء.